الليلة التي «طقّ» فيها همام

في إحدى ليالي الشام حدثني صديقي عيسى بن هشام عن طالب لم يوفقه مجموعه العام (198) علامة لدراسة ما يرغب، فاقترحوا عليه الدراسة خارج القطر من أجل اختيار الأنسب، فوصل إلى بلاد الفرنجة  وأصبح بعيداً عن الأهل والوطن، ونسي دلاله وغنجه وصار يعتمد في كل شيء على نفسه، وأخذ يكد ويجد يبني ويهد ويتحول من راسب إلى مستجد حتى أذن الله له فتخرج وأصبح يحمل شهادة كبيرة عن جد…

وبسرعة البرق لملم حوائجه واتجه إلى المطار ليعود إلى بلده وأهله بالطائرة بدل القطار، ووصل إلى البلاد مسرور كأنه صقر بين النسور…وبعد الاستقبال والحفاوة والترحيب وكلمات التأهيل يا أهلاً بالحبيب.. طاب أكل العنب والزبيب.

وهكذا يا سادة يا كرام لن نطيل عليكم الكلام ولن نقص عليكم ما عاناه صاحبنا، ولا عن فوزه ببطولة الجري وراء المعاملات وملاحقة كل توقيع وختم حتى أصبح خبيراً بأمور التصديق والمصدقات وأصول وفن ترحيب الموظفين العصمليين بالمراجعين والمراجعات، وألف كتاباً حول (كيفية السيطرة على الأعصاب وعدم النفرزة وضبط النفس وتحقيق الأحلام كل هذا في خمسة أيام).

وبعد أن نجح طالبنا الهمام في أن يعدل شهادته بناءً على كتاب من جهة رسمية اعتبر أنه حقق نصراً مؤزراً وانتهت القضية، لكن بعد أن تأخر في تقديم  الأوراق ضاعت عليه فرصة التعيين، فأضاف إلى مصطلحاته كلمات الحرق والاحتراق والسلالات النقية والأعراق…..

وأخذ يبحث ويبحث عن فرصة أخرى تعوض عن الفرصة السابقة، ووجد من طلب منه أن يعدل شهادته فظن أن الأمر بسيط لأنه كان قد سبق أن عدّل، وسرح شعر الشوارع والطرقات وجدّل….

فأخذ صورة التعديل السابق وطلب من الموظفة أن تزوده بكتاب يفرج عنه الكرب ويخفف المصاب.. فوعدته أن يراجعها بعد أسبوع، وبما أنه قد أخذ اللقاح في المطار ضد النفرزة والمحافظة على الأعصاب كالحمل الوديع استجاب، رغم أنه قد ذكرها بأن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من خمس دقائق من أجل صياغة الكتاب، فطلبت منه أن يخرج بسرعة  ويغلق خلفه الباب .

ومرت الأيام والأسابيع وانتهى الشتاء وأخذ يقترب منا الربيع ومازال الكتاب يحبو من غرفة إلى غرفة ومن طاولة إلى أخرى، وكانت (أمل) تقول له إننا دفشنا كتابك لكي يمشي بشكل سريع وكتابك هو عند المدير لأنه يحتاج إلى دراسة متأنية ورأي خبير …..ومرة هو عند الوزير والوزير غير موجود لأنه خارج الحدود، وطالبنا همام بكل هدوء وصمت يسأل وهي تجيب بأن لا علاقة لها بالموضوع، ولماذا تسأل وتلح فكتابك عند السيد الوزير وأمورك بشكل رائع تسير….

وعندما عاد إلى البيت وجد رسالة من صديق تخبره بأنه تأخر عن تقديم الأوراق ، وضاع عليه الفوز في الدخول للسباق، وبالوظيفة لن يستطيع اللحاق، وقد اشتد في أمعائه الحريق فصرخ وضرب رأسه في الجدار فانهار ومات (طقيق).

العدد 1105 - 01/5/2024