أصدقاء القاعدة الإسرائيليون

لا نقصد هنا جماعات صغيرة من المنشقين، أو فتيات سحرتهن فتنة المقاتلين الإسلاميين، أو شباباً محبطين بإخفاقات  سن النضوج. نقصد المؤسسة الأكثر يهودية من بين المؤسسات اليهودية والأكثر رسمية من بين مؤسسات الدولة: (جيش الدفاع الإسرائيلي). القوة العسكرية الحادية عشرة في العالم التي تبلغ ميزانيتها السنوية 15 مليار دولار.

عن مساعدة الجيش الإسرائيلي للمتمردين الإسلاميين السوريين تحدَّث سابقاً الرئيس السوري بشار الأسد: (يسخر بعض السوريين ويقولون: كيف يقال إن القاعدة لا تمتلك قوى جوية، في الواقع لديهم قوى جوية هي القوات الجوية الإسرائيلية)، قالها الأسد في حديث مع مجلة (فورين أفيرز) المحترمة. وتعبر مصادر أخرى موضوعية عن قلقها بسبب الصداقة المفاجئة بين الجيش الإسرائيلي والأصوليين الإسلاميين. صدر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول مهمة (إندوف)، أي قوات الأمم المتحدة لمراقبة فصل القوات في كانون الأول. رصد أعضاء (إندوف) بين آذار وأيار 2014 – 59 حالة اتصال بين القوات الإسرائيلية والمتمردين (خصوصاً في فترات اشتداد المعارك بين الجيش السوري وأفراد المعارضة المسلحة).

 كتب بان كي مون بأسلوب دبلوماسي. رصد جنود (إندوف) نقل 89 جريحاً من الجانب السوري إلى الإسرائيلي وكذلك (إعادة 19 من المتعافين وجثتين إلى الأفراد المسلحين من المعارضة السورية). يغفل تقرير الأمين العام بلباقة الانتماء السياسي للمقاتلين الذين يساعدهم الجيش الإسرائيلي تقول البروباغاندا الإسرائيلية إن علاج الجهاديين الجرحى عمل إنساني، وإذا ساعدت (إسرائيل) أحداً في سورية فهؤلاء (مقاتلون معتدلون) ولكن توجد أسس لعدم الثقة بهذه الأخبار المطمئنة.

توجد المنطقة التي تتمركز فيها (إندوف) تحت سيطرة جبهة النصرة. وهي الأكثر تطرفاً من بين المنظمات الناشطة في سورية. اعترف زعيم القاعدة أيمن الظواهري في نهاية عام 2013 رسمياً بالنصرة كفرع للقاعدة العالمية على أرض سورية. يقدم تقرير منظمة الأمم المتحدة الكثير من الأمثلة على نجاحات النصرة على هذه الأرض، من رفع الأعلام السوداء للمنظمة على المواقع التي انتزعت من القوات الحكومية في مرتفعات تل الغربي وتل الشرقي، إلى قطع رأس ضابط في الجيش السوري وتقديمه بفخر إلى موظف الأمم المتحدة من الموقع رقم 80.

نشرت (وول ستريت جورنال) مؤخراً تقريراً عن تعاون الجيش الإسرائيلي مع المقاتلين السوريين. تحدث فيه ضابط من الجيش الإسرائيلي، رفض ذكر اسمه، عن (التفاهم المتبادل) وحتى (الألفة) بين القوات الإسرائيلية والمتمردين. فسّر أسس المساعدة الطبية: (لا نسأل من هم، لا نقوم بأي انتقاء. وعندما ينتهي العلاج ننقلهم إلى الحدود ويذهبون في سبيلهم). معلومات مشابهة قدّمها في العام الماضي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي العقيد بيتر ليرنر، الذي قال لمجلة (فورين بوليسي) إن المشافي الإسرائيلية عالجت أكثر من ألف جريح سوري دون التحقق (لأي فصيل يقاتلون، أو هل هم مدنيون). وأكمل هذا التصريح إيهودياري من مركزWINEP  الذي يعد منظمة رئيسة للوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية: (الجرحى مدنيون ومقاتلون، مع أنه لم يبق الكثير من المدنيين على تلك الأرض التي مزقتها المعركة). ولا ينتهي التعاون على الأغلب عند تسليم الجرحى. فقد شهد موظف منظمة الأمم المتحدة (أفراد القوات المسلحة الإسرائيلية يسلمون صندوقين مجهولي المحتويات إلى أفراد مسلحين من المعارضة في الجانب السوري).

وفي هذا السياق تلفت الانتباه حقيقة أن الضباط الإسرائيليين يطلقون أحكاماً ودية حول القاعدة السورية.

قال الجنرال مايكل هرزوغ، الرئيس السابق للأركان في وزارة الدفاع الإسرائيلية، (حالياً في WINEP): (النصرة نسخة استثنائية من القاعدة، إنها تركز كلياً على الحرب داخل سورية ولا تركّز علينا).

 الرائد أفيف أوريغ، الرئيس السابق لقسم شؤون القاعدة والجهاد العالمي في الجيش الإسرائيلي، وبعد وقت قصير من اختطاف جبهة النصرة لعشرات من أفراد قوات السلام التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، صرح لمراسلة (ذي تلغراف) أن القاعدة وفرعها السوري ليست سيئة، قال: (النصرة ليست أبداً مثل داعش).

تعاونت جبهة النصرة في وقت ما مع داعش. لا بل أعلن زعيم داعش في العراق أبو بكر البغدادي عام ،2013 توحيد المنظمتين. ولكن احتج على المبادرة كل من رئيس النصرة أبو محمد الجولاني والزعيم الرئيسي للقاعدة أيمن الظواهري. حينذاك، وإلى جانب قتل الصحفيين الغربيين والعسكريين السوريين، تقاتل كل منهما الأخرى بحماسة، ولكن هذا لا يعني أنه يوجد في هذه الحرب (جيدون) و(سيئون).

منذ نشوئها بين عامي 2011 و2012 تسجل جبهة النصرة نجاحات كبيرة في القتل، وبشكل رئيس قتل المدنيين. في أول نشاط لها في 23 كانون الأول 2011 في دمشق تسببت في مقتل 44 شخصاً وجرح 166 وبعد ذلك كانت النتائج أفضل. وإلى جانب التفجيرات الانتحارية التي قارب عددها المئة، توجد في رصيد المنظمة أيضاً إعدامات جنود القوات الحكومية أو صحفيي وسائل الإعلام الرسمية. وقتلت أيضاً كاهناً كاثوليكياً. في البداية انتشرت شائعة بأنه قطع رأسه، ولكن تبين فيما بعد أنها أطلقت النار عليه فقط. بعض الإعدامات جرى تسجيلها على أشرطة فيديو ونشرها. ولكن النصرة عموماً تختلف عن داعش في أنها، وعلى الرغم من مشاطرتها إياها حب الجلد العلني والصلب والاختطاف، أظهرت تريثاً في البروباغندا، بعدم التبجح الزائد بالنجاحات على هذه الخلفية. ومع ذلك، عدّت منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا وكندا وأستراليا وعدة دول أخرى، رسمياً النصرة منظمة إرهابية.

إن الحرب الإجرامية والحمقاء في العراق، التي شنها بذريعة زائفة حليفنا الكبير  وبمشاركتنا  أدّت مباشرة إلى نشوء داعش التي تخيف اليوم أمريكا وكل العالم المتحضر. كما أن التدخل المتغطرس للغرب في سورية  وخصوصاً الصداقة المفاجئة بين (إسرائيل) وإرهابيي النصرة  سيثمر نشوء قبلة التطرف الإسلامي والإرهاب الدموي.

 

عن مجلة (بجاسك) البولونية

العدد 1107 - 22/5/2024