فشل ثلاثي للسياسة التركية

الارتباك الأردوغاني في التعاطي مع الملف السوري بصورة عامة ، وخاصة لجهة العلاقة التلاحمية القائمة بين أنقرة وتنظيم داعش الإرهابي، أوقع إدارة أردوغان في دوامة التناقض الواضح بين ما تعلنه هذه الإدارة من مواقف تدعي فيها معاداتها لذلك التنظيم، وما تمارسه تلك الإدارة من دعمٍ صريحٍ ومشهودٍ له، ما كشف مدى النفاق الأردوغاني ومدى انغماس سياسة حزب العدالة والتنمية في المستنقع الرجعي، في محاولة يائسة للحصول على دور ما بين الكبار في البحث عن السبل الكفيلة بإغلاق الملف السوري، بما يكفل لأنقرة تحقيق ولو الحدود الدنيا من المكاسب غير المشروعة على حساب مصالح سورية الوطنية وسيادتها على ترابها الوطني.  

ففي حين تزعم حكومة أردوغان أنها ذاهبة باتجاه طرد تنظيم داعش من المناطق التي يحتلها ، يكشف رئيس بلدية ماردين النائب الكردي أحمد تورك النقاب عن وثائق وأشرطة فيديو تؤكد دعم أنقرة لتنظيم داعش ، وتضيء على تنقل أفراده داخل تركيا وهم يرتدون البزات العسكرية التركية ويستخدمون الآليات العسكرية التركية، بينما يلتقي رئيس بلدية (جيلان بينار) الذي ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية عناصر داعش وينسق معهم بشأن المهام التي كلفت أنقرة التنظيم الإرهابي القيام بها في الساحة السورية.

تلك الأدلة تترافق مع وجود أدلة أخرى تؤكد إقدام أنقرة على فتح الحدود مع سورية لمسلحي داعش للتسلل إلى داخل الأراضي السورية والقيام بعمليات إرهابية من جهة، ومعالجة جرحى التنظيم في تركيا من جهة أخرى، ومن المفيد في هذا السياق الإشارة إلى أنه سبق لموسكو أن أعلنت أن لديها دلائل تثبت وجود شبكة واسعة في تركيا تضم أسماء شخصيات ومؤسسات متورطة فيها بدعم تنظيم داعش مالياً وتسليحياً ولوجستياً.

وعلى الرغم من الحقائق التي تؤكد دعم أردوغان لتنظيم داعش الإرهابي (تشير تقارير تركية حسب صحيفة ميللييت إلى انخراط نحو ثلاثة آلاف تركي في تنظيم داعش فضلاً عن دعم التنظيم التركستاني وتنظيم نور الدين الزنكي) ما تزال أنقرة مستمرة في زعمها أن الهدف من تدخلها العسكري المباشر في الشمال السوري تحت غطاء درع الفرات، هو منع الهجمات الإرهابية التي ينفذها ضدها تنظيم داعش انطلاقا من الأراضي السورية، بينما تتمثل الحقيقة بشعور أنقرة بتراجع دورها في المنطقة، وتخلي الأوربيين عنها بعد حصولهم على ضماناتٍ أوقفت حركة اللجوء والهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوربية عبر البوابة التركية، ما جعل إدارة أردوغان تذهب باتجاه العمل من أجل إقامة منطقة آمنة تأمل الحصول من خلالها على فرصة للمشاركة في مناقشة الملف السوري بعد أن أصابها الموقف الأوربي بخيبة أمل كبيرة أحبطت بعض أهدافها.

هنا لابد من القول إن رهان أردوغان على موافقة الجهات الدولية الفاعلة بشكل أو بآخر على عملية درع الفرات هو رهان خاسر سلفاً، لأنه يفتقر للموضوعية كون العلاقة الوثيقة بين أنقرة وداعش باتت متشابكة بحيث يصعب معها إنجاز عملية طلاق بين الجانبين إلا في حالة واحدة تتمثل بانتهاء حكم حزب العدالة والتنمية ومجيء حكم جديد يتحلى بالعقلانية السياسية التي تمكنه من اكتساب ثقة جواره السوري والعراقي والإيراني والروسي، مايعني من حيث النتيجة أن الحرب التركية المزعومة على داعش وإقامة منطقة عازلة تأوي النازحين السوريين الموجودين حالياً على الأراضي التركية هو رهان خاسر تُقدم عليه إدارة أردوغان، لأنه رهان خاوٍ خالٍ من أية مسوغات لن يكفل لتلك الإدارة إمكانية المشاركة في إنجاز حل سياسي أو عسكري للأزمة  السورية، خاصة أن ورقة النازحين السوريين في تركيا، وهي التي تحاول أنقرة عبثاً استثمارها والإيحاء من خلالها بأن هؤلاء النازحين يمكن أن يُحدثوا خللاً في التوازن الديموغرافي التركي، وهو أمر لا يمكن أن يُقنع عاقلاً متابعاً لمجريات الأمور الميدانية في الشمال السوري، وخاصة في ضوء اعتراض المجتمع الدولي على إقامتها.

يمكن القول إن سياسة أردوغان وحزب العدالة والتنمية ذات الوجهين المتناقضين، فشلت أول الأمر بتبني تنظيم داعش وتوظيفه في محاولة النيل من الدولة السورية، كما فشلت تلك السياسة الآن في ما تطلقه أنقرة من مزاعم حول محاربة داعش للتغطية على سعيها لإقامة المنطقة الآمنة العازلة ما يعني أن مراهنتها كانت خاسرة في أول الأمر وستكون أكثر خسارة في آخره.

العدد 1104 - 24/4/2024