صدمة الأسعار على وجوه المستهلكين.. البندورة أغلى من البنزين!

لم يعد للأسعار سقف تقف عنده، فهي لا تلبث أن تقفز بين ساعة وأخرى، وقد أكد أحد بائعي المفرق لـ(النور)، أن أسعار المواد الغذائية تقفز بين ساعة وأخرى بشكل مخيف، بمعدل قد يصل إلى 100 ليرة للسلعة الواحدة، مشيراً إلى أن ذلك شكل تهديداً حقيقاً لمهنته ورأسماله، فهو يقوم بشراء (طرد) من سلعة ما بسعر 1500 ليرة، ويبيعه، ولدى عودته لشراء غيره مرة أخرى بعد يوم يكون سعره 1800 ليرة، أي أنه خسر الربح والرأسمال تآكل.

هذا حديث عابر لأحد بائعي المفرق، لفت إلى أن ذلك أثر تأثيراً كبيراً في المبيعات وخاصة الأسبوع المنصرم، فقد اضطر المستهلكون وفق قوله إلى خفض كميات استهلاكهم خفضاً كبيراً نتيجة تعملق الأسعار بشكل غير منطقي.. مضيفاً: (لا يخلو زبون من ملامح الصدمة تبدو على وجهه لدى شرائه أي سلعة غذائية، بسبب سعرها المرتفع، فتراه يراجع تفكيره وربما يتراجع عن شراء السلعة أو يخفض الكمية التي اشتراها إلى النصف)، مؤكداً أن السؤال الذي يسمعه في كل يوم من جميع المشترين هو: (لماذا هكذا الأسعار تجن؟)، وبالطبع الجواب معروف لدى الجميع، وفق قول البائع، ذلك أن تجار الجملة يسعّرون موادهم وفق سعر الصرف المتقلب على الرغم من أنهم قد اشتروا بضائعهم على السعر القديم، حتى أن هناك بعض المواد لا علاقة لها بسعر الصرف، إلا أنهم رفعوا أسعارها بشكل عشوائي.

وأشار إلى أن الكثير من بائعي المفرق أخذوا يرفعون أسعار بضائعهم وخاصة الغذائية منها بشكل اعتباطي ومن تلقاء نفسهم، وذلك لسببين: إما خوفاً من أن يخسروا رأسمالهم مع هذه الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، وإما لجشع يلمّ بهم، مؤكداً أن معظم بائعي المفرق يتواصلون مع بائعي الجملة ساعياً ويومياً، لمعرفة الأسعار الجديدة للمواد خوفاً من أن يعرضوا أنفسهم للخسائر، لأن أرباح بائع المفرق تعتبر ضئيلة جداً ورأسماله يتعرض للاهتلاك سريعاً بسبب قفزات الأسعار.

هذا هو حال بائعي المفرق، ولكن وفق المعادلة فهو لم يخسر بل هو احتاط برفع أسعار مواده، أما الحلقة الأضعف فهو المستهلك، الذي يشتري في كل يوم بسعر جديد، حتى أن فوارق الأسعار بين بائع وآخر باتت أمراً اعتيادياً حتى وصل الفارق إلى 100 ليرة للسلعة نفسها، وهذا دليل واضح على أن بعض بائعي المفرق يسعرون وفق مزاجهم.

المستهلك بات حيران ولا شك في ذلك، وبات يضرب أخماسه بأسداسه، حتى الخضار والفواكه لم تسلم من هذا الجنون، فهل يعقل أن يسجل كيلو البندورة 225 ليرة؟! أي أنها أغلى من ليتر البنزين الذي يسعر عالمياً والذي يتم استيراده وتكريره، كيف ذلك؟ وهل لسعر الصرف علاقة بالبندورة يا بائعين ويا تجار؟.. هل يعقل أن يصبح سعر كيلو الخيار 140 ليرة والباذنجان 200 ليرة والثوم اليابس 700 ليرة؟! بات على المستهلك إذا أراد أن يذهب لبائع الخضار أن يأخذ ثلث راتبه على الأقل لكي يلبي حاجة أسرته، فهل يعقل ذلك؟. ما أسباب ارتفاع أسعار الخضار إلى هذه الحدود غير المعقولة؟.. ما الجديد في الأمر؟.. هل حقاً كما قال رئيس اتحاد غرف الزراعة محمد كشتو في تصريح سابق له إن أسعار الخضار لم ترتفع، ولكن قدرة المستهلك الشرائية هي التي انخفضت؟! لا أرى ترابطاً بين الأمرين، لأنه عندما تنخفض قدرة المستهلك الشرائية فإن هذا الانخفاض ناتج عن أسباب، ومن أهم هذه الأسباب ارتفاع الأسعار، فليس من المعقول أن يكون سعر كيلو البطاطا 10 ليرات وأن يأخذ المستهلك حبتي بطاطا فقط، بل سيشتري في أقل الأحوال كيلو أو أكثر، وهذا ما يحدث في حقيقة الأمر، البندورة أصبحت ذهباً أحمر، والخيار أصبح يسعر على الدولار حتى الكزبرة والبقدونس وكأنها مستوردة، لا نعلم ما الذي يحدث في أسواقنا؟، حقاً إنها باتت غير مفهومة، وبات الجشع يملؤها.

صحن السَلَطة اليوم يكلّف ما لا يقل عن 300 ليرة، شيء عجيب، حتى السلطة باتت لا تناسب ذوي الدخل المحدود، فماذا يأكل الفقير والعاطل عن العمل؟، وماذا يأكل الموظف؟.. فعلاً شيء محير! يبحث المستهلك ويفكر ويدبر و(يصفن) لكي يجد وجبة تكون تكلفتها أقل من ألف ليرة، ولكن للأسف لا يجد، فالزيوت حلقت أسعارها، وبلغ سعر الليتر ما بين 350 و375 ليرة، أما السمون والشاي والمتة والسكر، فكلها أصيبت بجنون الأسعار.

أما عن الأدوية والأطباء والمشافي الخاصة فحدث ولا حرج، الولادة الطبيعية في المشافي الخاصة أصبحت تكلف 20 ألف ليرة مبدئياً، والأدوية أصبحت تسعر مزاجياً والأطباء يضعون التعرفة وفق مزاجهم.

السؤال الذي يطرحه العديد من المستهلكين حالياً: أين هو دور وزارة التجارة وحماية المستهلك من هذا الذي يحدث في الأسواق؟.. أحد المواطنين قال لي: (أليس اسمها وزارة التجارة وحماية المستهلك، فأين هي حماية المستهلك من ارتفاع الأسعار؟!!)، مستطرداً: (يجب تغيير اسمها)، والأغرب من ذلك، أن وزارة التجارة تدرس حالياً مطالب التجار بتحرير الأسعار، وهنا نطرح سؤالاً: هل الأسعار قُيدت حتى تُحرّر؟..فالمستهلك لم يلمس التقييد أبداً مع هذا التفاوت الكبير في الأسعار، ولو أنها مقيدة حقاً لما سعّر كل بائع بضائعه وفق مزاجه ساعياً، ولما وصلت الأسعار إلى هذه الدرجات، فأين هو التقييد؟..التجار يطالبون بتحرير الأسعار والمستهلكون يطالبون بتطبيق القانون على كل متلاعب بالأسعار بل ويطالبون أيضاً بتقييد كل الأسعار، فعند الأزمات يجب التقييد وليس تحرير الأسعار وتركها لمزاجية البائعين، وبالطبع يجب أن يأخذ التقييد بحسبانه التكاليف (الحقيقية) للسلعة، ولا التكاليف (الوهمية)، بمعنى آخر التكاليف التي يضعها التاجر سواء كانت تكاليف صغيرة أم كبيرة، شاملة كل حيثياتها دون استثناء، لكي لا يُظلم التاجر ولكي لا يُظلم المستهلك.

ما نود الإشارة إليه في نهاية حديثنا، هو أن المستهلك وصل إلى حد الجنون من هذه الأسعار، فهو يخرج من عند البائع وتراه يحدث نفسه مصدوماً، يسأل نفسه: (ما الذي يجب علي فعله لكي يكفيني دخلي لنهاية الشهر؟)، جميع المستهلكين ألغوا الكثير من السلع والمواد الغذائية من خانة استهلاكهم، الكثير من المستهلكين باتوا يقتصرون على الوجبات الشعبية ذات التكاليف المنخفضة، الكثير من المستهلكين مازالوا ينتظرون تحركاً حكومياً يضع حداً لما يحدث في أسواقنا، فهل ستتحرك الحكومة لإنقاذ المستهلك عاجلاً، أم أننا سنسمع الوعود فقط؟

العدد 1107 - 22/5/2024