ذروة المشتهى

نقاش، جدال، حوار. كلمات باتت شائعة، وأكثر تداولاً، على مدار المسألة السورية الراهنة، التي اصطلح على تسميتها بـ (الأزمة). الكلمات التي قد تتشابه و تتشابك و تتشارك – كثيراً أو قليلاً – في ألفاظها ومعانيها، غير أنها لا تتساوى ولا تتطابق. ويبقى لكل منها مكان ومجال استعماله في اللغة، الذي يتباين فيه عن الآخر. إلا أن أكثر الناس، في معظم الأحيان، ولأسباب لا تخفى على الفطنة والانتباه، أخذوا يتناولون في جمعاتهم ولمّاتهم، كلمة (حوار). يشملونها بعنايتهم. . يدمجونها في تعابيرهم.. ويمحضونها لدى لفظهم لها، نبرة ولكنة خاصتين. قلّة قليلة، بين الأقطاب، مَنْ يعلنون صراحة، رفضهم التحاور، وسيلة وطريقاً للحلّ. فيما الكثرة الكاثرة، لا سيما مع نهاية العام الرابع للأزمة، يُظهرون قبولهم بالحوار.. بل أنّ بعضاً منهم صاروا يتغنون به ويحاضرون. حتى أمسى السيد حوار (موديل آخر صرعة) في أحاديث الخاصة والعامة، كباراً وصغاراً.

حتى الذين لا يفهمون الحوار، إلا أوامر ومعاجز و (طق براغي ووضع عصي في الدواليب)، أو مَنْ كانوا يُضَمِّنونه، أحد أنواع آبار الجمع، أو طلاء الجدران، أو أصناف الحلوى. باتوا يضمنونه أحاديثهم، ويمررونه في مداوراتهم، بعد أن يُسبقوه بكلمة (ثقافة)! وليس بعيداً عن الطقوس المشحونة والمطبّات المُفخخة، للحوار بين الأطراف المؤزِّمة والمتأزمة، داخلياً وخارجياً، وعربياً ودولياً..

وقريباً من الأجواء العامة لتلك الأطراف. أنقل لكم ومِنْ دون تصرّف، ما جرى معي ليلة أمس، بخصوص الحوار: مساء البارحة، تحاورتُ مديداً مع نفسي، حول ما عسى أن يُخبِئ لنا الغد، نحن السوريين، مِنْ حوادث وجرائم وبشاعات. ولمَّا طال سهادي، وتأخر على غير عادة موعد رقادي. رأيت فيما أنا، بين بين، أيّ (بين الصاحي والغفيان)، حسب تعبير العم (أبو محمود) والمُبدعِة فيروز. رأيت شيخاً جليلاً، يمسك بي من صَحْوي، ليقول: خُذ عني يا ابن هلال، ما سألقنك بشأن الحوار، وبلّغه لأصدقائك ومعارفك. لكن إيّاك ثم إيّاك والزيادة أو النقصان. فامتثلت وتهيبت، آخذاً ومأخوذاً،  ثم استأذنته – كوني لم أعد أثق بذاكراتي – بسحب الورقة والقلم، من تحت مخدتي. كي لا يضع لي في الرز بصل لاحقاً (قلت كذا ولم أقل كذا) وبدأنا..  هو يملي، ومحسوبكم العبد الفقير الخطاء المشّاء النسّاء، أسمع وأدوِّن:

. إذا (حاورَ) ذئبٌ راعياً ما، فغالباً من أجل الحصول على أسمن الخراف، وبأقل الجهود.

. إذا (حاورَ) إرهابيونَ جهةً ما، فغالباً، ما يحصل الأمر، في سبيل أن يُثبتوا شرعيتهم وضعفها.

. إذا حاورتْ سلطةٌ معارضةً ما، فغالباً، ما تفعل، كي تُحقق أقل التنازلات بأبهظ الأثمان.

. إذا (حاورَ) جاهلٌ عاقلاً ما، فغالباً، ما يتمخض عن حوارهما، تبادلهما الصفة.

أمّا إذا ما (حاور) عاشقٌ معشوقه، فغالباً ما يكون ذلك، من أجل أن يصلا معاً وفي آن، إلى نشوة المنتهى وذروة المُشتهى.

العدد 1107 - 22/5/2024