الإنترنت بين السلبية والإيجاب

لا نستطيع أن ننكر أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة, وفي مقدمتها (شبكة الإنترنت) قد فتحت عصراً جديداً يتسم بسرعة الاتصال والتفاعل بين البشر, وفي وفرة العلوم والمعارف التي تقدمها لمستخدميها.
ولكن على الجانب الآخر، هناك مخاوف مشروعة من الآثار السلبية الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية التي قد تُحدثها.

ومع تزايد الإقبال على شبكة الإنترنت وسوء استخدامها من خلال قضاء وقت طويل في الإبحار فيها، ظهر ما يسمى (إدمان الإنترنت) كظاهرة لا مجال لتجاهلها من قبل الدارسين والباحثين.

فالاستخدام الزائد عن الحد وغير التوافقي للانترنت، والذي يؤدي إلى اضطرابات نفسية إكلينيكية وإدمان نفسي يشبه نوعاً ما في طبيعته الإدمان الذي يسببه التعاطي الزائد عن الحد للمخدرات والكحوليات.

ويُذكر أن أول من وضع مصطلح (إدمان الإنترنت) هي عالمة النفس الأميركية (كيمبرلي يونغ)  التي تُعد من أوائل أطباء النفس الذين عكفوا على دراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة منذ عام 1994 وتُعرّف يونغ إدمان الانترنت:
بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً.

كما قامت عام 1999 بتأسيس وإدارة (مركز الإدمان على الانترنت) لبحث وعلاج الظاهرة.
التي أصدرت كتابين حولها هما: (الوقوع في قبضة الإنترنت) و (التورّط في الشبكة).

وأجرت دراسة كان المشمولين فيها قد قضوا على الأقل 38 ساعة أسبوعياً على الإنترنت، مقارنة بنحو خمس ساعات فقط أسبوعياً لغير المدمنين.

وأشارت الدراسة إلى أن من يمكن وصفهم بمدمني الإنترنت، لم يتصفحوا فيه من أجل الحصول على معلومات مفيدة لهم في أعمالهم أو دراساتهم، وإنما من أجل الاتصال والدردشة مع الآخرين.

أما أعراض حالة إدمان الانترنت فتشمل عناصر نفسية واجتماعية وجسدية، تؤثر على الحياة الاجتماعية والأسرية للفرد، وتتمثل في الوحدة والإحباط والاكتئاب والقلق والتأخّر عن العمل وحدوث مشكلات زوجية وفقدان للعلاقات الأسرية والاجتماعية.

وتشمل الأعراض الجسدية التعب والخمول والأرق، والحرمان من النوم، وآلام الظهر والرقبة, والتهاب العينين. كما أن زيارة المواقع الإباحية يؤدي للإثارة الجنسية والكبت الجنسي وظهور العديد من المشاكل الاجتماعية والأسرية. هذا إضافة إلى مخاطر الإشعاعات الصادرة عن شاشات أجهزة الاتصال الحديثة، إضافة إلى تأثير المجالات المغناطيسية الصادرة عن الدوائر الالكترونية والكهربية.

أما عن تأثير استخدام الانترنت الزائد عن الحد لدى الأطفال، فقد أشارت العديد من الدراسات إلى أنه يؤدي للعزلة الاجتماعية، أو اضطرابات النوم، أو مشاكل دراسية واجتماعية، وذلك كنتيجة لدخول الأبناء _دون علم الوالدين _ إلى المواقع الإباحية الممنوعة أو مواقع الدردشة, أو توقفهم عن ممارسة أنشطة وهوايات أخرى كالقراءة وممارسة الرياضة.

ولمعالجة إدمان الانترنت تقترح يونغ عدداً من الاستراتيجيات السلوكية منها:

ممارسة العكس:
عن طريق تقديم أنشطة محايدة ومعتدلة، بمعنى أنه إذا كان روتين الفرد يتضمن قضاء عطلة الأسبوع بأكملها على الإنترنت، فيمكن اقتراح أن يقضي الفرد مساء يوم السبت في القيام بأنشطة خارج المنزل.

وضع أهداف مسبقة:
من المفيد جداً وضع مخطط مسبق لجميع أيام الأسبوع، بحيث يُحدد بوضوح عدد الساعات المخصصة لاستخدام الإنترنت. فعلى المدى البعيد يوّلّد هذا السلوك لدى الفرد شعوراً بقدرته على التحكم في استخدام الإنترنت.

بطاقات للتَذْكِرَة:
يُنصح الشخص بكتابة الآثار السلبية للاستخدام المفرط للإنترنت على بطاقات كمشاكل العمل مثلاً، وكذلك كتابة فوائد الحد من استخدامه. فحمل هذه البطاقات بشكل مستمر بهدف التَذْكِرَة يساعد الفرد على تجنب سوء استخدام الإنترنت.

استخدام ساعات التوقف:
تساعد هذه المنبهات في تذكير الفرد بموعد انتهاء وقت استخدام الإنترنت.

عمل قائمة شخصية: وضع قائمة بالأنشطة والاهتمامات المهملة يساعد على إحيائها من جديد.

أخيراً، يتضح أن الإنترنت هو سلاح ذو حدين.
فبالإمكان الاستفادة منه والعمل على ممارسة الاستخدام الأمثل والمعتدل له ضمن ضوابط وحدود، مع ضرورة وجود الرقابة الأسرية بالنسبة للأطفال والمراهقين، ومتابعتهم وتوجيههم. وبذلك نكون قد حققنا أقصى درجات الفائدة، وتجنبنا أدنى درجات الضرر والسلبية المنطوية على استخدامه. 

العدد 1107 - 22/5/2024