تخبّط أمريكي وهستيريا إسرائيلية وهلع خليجي

تتخبط الولايات المتحدة الأمريكية في سلوكها، تخبطاً يدل على اقتراب نهاية وجودِها في ملف الأزمة السورية، فحالتها كحالِ المقامرِ الذي خسر معظمَ أوراقِ القوة، فسيطر عليه توترٌ قهريٌ أفقده القدرة على التحكم بسلوكه، فبدأ يرمي أوراقه الأخيرة بشكل عشوائي غير مدروس.

وكيف لا؟! فأولادُها الإرهابيون المخلصون، الذين احتضنتهم وصرفت في تربيتهم وتنشئتهم المليارات، يتساقطون الواحد تلو الآخر، دون تحقيق أي أهدافٍ ملموسةٍ.
والجيش العربي السوري وحلفاؤه يتقدمون في كل اتجاه، مطهّرين أرض سورية المقدسة من رجس المجرمين، وحلفاؤها في الخليج العربي دخلوا في حالة من الصراع فيما بينهم، والأحداث تنبئ بمزيدٍ من التصعيد والتفكك في العلاقات الخليجية-الخليجية.
تركيا، حليفتها الإقليمية الأكبر في المنطقة، يمّمت وجهها شطر موسكو، بعد شعورها بالفخ الاستراتيجي الذي نُصِبَ لها في القضية الكردية.

تحالف الأخيار بقيادة روسيا يُثبِت للعالم كله مصداقيته، ونجاعته السياسية، وحكمته العميقة في التعاطي مع أزمات المنطقة، وما زال (الحبل على الجرار).

قامت الولايات المتحدة بنقل منظومات صاروخية مدفعية عالية الحركة (هيمارس)، من الأردن إلى سورية، وتحديداً إلى منطقة التنف، وهي منظومة محمولة على العربات ويصل مداها إلى 300 كم، قالت واشنطن بأن هذه المنظومات هي لدعم قوات سورية الديمقراطية،
في حربها ضد تنظم داعش الإرهابي، إلا أن وزارة الدفاع الروسية أكّدت أن مدى هذه المنظومات لا يسمح باستخدامها لدعم فصائل قوات سورية الديمقراطية في مدينة الرقة،
والهدف الحقيقي من نشرها هو استخدامها ضد الجيش العربي السوري، لمنعه من الاقتراب من المثلث السوري- العراقي – الأردني، وبالتالي تحقيق الحلم الأمريكي بإنشاء منطقة عازلة، إضافة إلى ما سبق، فإنّ نشر مثل هذه المنظومات دون موافقة الحكومة السورية يخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

أسقطت الولايات المتحدة مقاتلة سورية من نوع سو-22 في ريف الرقة، دون أن تعمل على تحذيرها، زاعمةً أنها كانت تستهدف قوات حليفة لها، ولقد اعتبرت روسيا هذا العمل بمثابة دعم للإرهابيين، الذين تدعي واشنطن محاربتهم، لذلك لم تكتفِ موسكو بتعليق العمل باتفاقية أمن التحليقات الموقعة مع واشنطن، بل أضافت بأنها ستتعامل مع أي جسم طائر غرب نهر الفرات كهدفٍ، بما في ذلك طائرات التحالف الغربي.

إنّ المتابع لأحداث المنطقة يرى أن الأعمال العسكرية الأمريكية الأخيرة تعكس حالةً من التخبط السياسي والعسكري.، فكيف يمكن لواشنطن ادّعاء محاربة الإرهاب، في ظل قصفها للطائرات السورية التي تدمر أوكار الإرهابيين! إذ لا يمكن لمثل هذه الصورة أن تستقيم في أذهان العقلاء.

لقد أصبح واضحاً للجميع بأن الولايات المتحدة تسعى جاهدةً إلى استمرار الأوضاع الراهنة على ما هي عليه، حتى لو اضطرت مباشرةً إلى إمداد الإرهابيين بأسباب البقاء.
لأن هذه الأوضاع المتوترة توفر لواشنطن الأرضية اللازمة للتدخل الدائم، بهدف تمرير مخططاتها للمنطقة، هذا من جهة، إضافةً إلى استمرار استنزاف الجيش العربي السوري والقوى الحليفة من جهة ثانية.

في مواجهة هذا العبث الأمريكي، جاءت الضربة الصاروخية الإيرانية موفقة في الزمان والمكان، فلا شك بأنه قد جرى التنسيق لهذه الضربة في الغرفة الرباعية لتبادل المعلومات في بغداد، لذلك فعلاوة على الرسائل السياسية المتعددة، التي حملتها إلى واشنطن وحلفائها،
فإننا نعتقد بأنّها جاءت استكمالاً للتهديد الروسي بالتعامل مع أي جسمٍ طائرٍ غرب الفرات كهدف، وهذا يعكس حالةً متقدمةً من التعاون والتنسيق بين روسيا وإيران والعراق وسورية في مواجهة المخططات الأمريكية.

لقد كانت الرسالة الأولى لهذه الضربات المباركة واضحةً وحاسمةً، بأن طهران سترد على كل من تسوّل له نفسه المساس بأمنها، وخاصة بعدما أساء الأعداء تفسير صمتها، بُعيد الهجمات الإرهابية الدامية التي تعرضت لها بداية حزيران الجاري.
فمن حق طهران أن تدافع عن أمنها، وهي فعلت ذلك بمسؤولية وحزم، لا كالذين اتخذوا من الإرهاب لعبةً أو مشروعاً استثمارياً لتحقيق مصالحهم الجيوسياسية في المنطقة.

أما الرسالة الثانية فهي موجهة إلى دول الخليج، المنضوية تحت مظلة ما يسمى (الناتو العربي)، فعلى هذه الدول أن تعلم بأن جميع منشآتها النفطية والحيوية تقع في نطاق الصواريخ الإيرانية، وهي لن تتردد باستخدامها أبداً ضدهم، علاوة على ذلك، عليهم أن يعلموا أنّ الأمن والاستقرار لا يمكن شراؤهما بالمال، بل يتحققان بمدِّ جسور الحوار والصداقة إلى دول الجوار.

الرسالة الثالثة والأهم، فهي موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل، بأن إيران قادرة على دك عمق الكيان الصهيوني، وما هذه الضربة سوى نموذج صغير لقوة الردع الإيرانية، لذلك فإن مساعي واشنطن المحمومة لخلق منطقة عسكرية كبيرة شرق سورية،
لعزل إيران عن فلسطين المحتلة، لا قيمة لها من الناحية الاستراتيجية على الإطلاق، وهي لن تؤثر على تماسك حلف المقاومة، الذي بات يشكل جبهة عميقة تمتد من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق، لذلك سارع مسؤولو الكيان الصهيوني ووسائل إعلامه، وسط حالة من الإرباك والقلق، إلى تناول تداعيات الضربة الإيرانية بالتحليل والدراسة،
ولقد أجمعوا على أنها تشكل جرسَ إنذار لما يمكن أن تفعله إيران وحلفاؤها في أي حربٍ مقبلة، خاصةً في ظل امتلاك إيران لصواريخ ذات مدى أبعد من ذلك بكثير.

لقد وصلت أصوات الصواريخ الإيرانية إلى مسامع بعض المسؤولين في واشنطن، لذلك بدأ مجلس الشيوخ بمدِّ حبال الإنقاذ للإدارة الأمريكية المتهورة، قبل سقوطها في الهوة السحيقة للشرق الأوسط، إذ دعا بعضُ أعضائِهِ الكونغرسَ إلى استعادة سلطته الخاصة باتخاذ قرار خوض البلاد للحرب، فعلى ما يبدو أنّه لا يزال في الولايات المتحدة الأمريكية من يستمع لصوت العقل، ويعلم جيداً حجم الكارثة التي قد تحصل في حال انزلاق المنطقة إلى حربٍ إقليمية شاملة.

العدد 1104 - 24/4/2024