حكايات الجدة بين الماضي والمستقبل

(كان ياما كان)… كلمات رددتها الجدة في قديم الزمان، لتروي لنا قصصاً، تارة من نسج الخيال وتارة أخرى من واقع الحياة اليومية، فتأخذنا إلى عالم ممزوج بالمتعة والفائدة له مفرداته الخاصة وموسيقاه التي لطالما راقصت أفكارنا وذكرياتنا، وعلمتنا المحبة ومعنى التسامح وزرعت بذور الخير والصدق والأمانة.

كل تلك المعاني الإنسانية.

من منا لم يستمع لحكايات جدته!؟

من منا لم يسترجع شريط الحكايات التي روتها جدته يوماً ما!؟

كلنا نحمل في قلوبنا تلك الصورة التي لا تشبه إلا الفرح والأمل والصوت العذب ولا تشبه إلا النقاء والصفاء الفريد من نوعه.

ولا تزال صورة جدتي تدق باب ذاكرتي لأذهب معها من المكان نفسه وفي ذلك الزمان، لأسرق قليلاً من السحر الذي كانت تنشره في جسدي، عندما تروي لي الكثير من القصص لتعطيني العبر، حينذاك كانت تنساب كلماتها إلى ذاكرتي كخيوط شمس ذهبية لامعة.

مازالت إلى اليوم تداعب مخيلتي وتحاكيها.

وتبقى للحكايات الشعبية ذكريات لا تنسى، لأنها اتخذت لنفسها مكان الصدارة، واستقرت في الأعماق، وبدأت معنا منذ نعومة أظفارنا وكبرنا معاً.

كانت الجدة هي مصدر الحكاية تضم في حضنها الأحفاد بمحبتها وعطفها، حين يحلو السهر بجلسات عائلية والكل يصغي بشوق وشغف، وهذا ما بتنا نفتقده في عصر الحداثة والتكنولوجيا، التي أثرت بشكل سلبي على صغارنا، والتي تكاد تسيطر على عقولهم وتخفي جانب الخيال والقصص المسلية والمفيدة.

أما اليوم، فقد تقلص دور الجدة في رواية القصص والحكايات للأحفاد، ونلاحظ ابتعاد الجيل عن اللغة الأم في عصر غزو التقنيات الحديثة، وعلى الأهل التنبه لما يحدث لأبنائهم من تغيرات تؤثر فيهم مستقبلاً.

وفي أيامنا هذه، هل نستطيع أن نلعب دور الأمهات والجدات للأحفاد؟

وهل نستطيع نقل هذه الرسالة بطريقة صحيحة؟

من لديه ذلك الكنز المشعّ فليستمد منه نوراً يضيء حياته فرحاً أبدياً.

العدد 1104 - 24/4/2024