سعر أرواحنا المناسب في زمن البيع والشراء

لتجارة مهنة الربح، ويقال بالعامية (التجارة شطارة)، إلاّ أن تجارة ازدهرت هذه الفترة، وأصبحت مهنة الجزارين للأسف (أقصد الأطباء المشاركين في سفك الدم) لكن بطريقتهم الخاصة، ألا وهي تجارة الأعضاء البشرية وخاصة زمن الحرب، وهذا ما نلاحظه الآن في سورية.

 كنا في السابق نقرأ في الصحف إعلاناً عن شخص من زمرة الدم كذا بحاجة إلى كلية مقابل مبلغ مادي معيّن، طبعاً كنا نُدهش عندما نقرأ الإعلان، ونكرر عبارة (الله يعين الناس)، فهناك أُناس بحاجة إلى المال وأُناس بحاجة إلى الحياة، وهنا كان العرض والطلب ومن يرغب يكون بإرادته، لكن في هذا الزمن لم يعد للإرادة مكان، ولم يعد هناك خيار، أصبح الأمر قسرياً رغماً عن البائع، فهو هنا ليس في موقع الخيار، بل فريسة، أو بعبارة أدق هو شاة سيقت للذبح، والاستفادة من كل شيء منها، وخاصة من هم في سن الشباب والأطفال الذين يقعون بيد شبكات تبدأ من سورية، ولا تنتهي حتى تعبر الحدود إلى لبنان ومصر وتركيا، شبكات يشارك فيها أطباء ومنتحلو صفة أمنية، وأرباب سوابق، أو أحد مديري بيوت الدعارة، لتبدأ المأساة بطريقة التسويق الإلكتروني، عند ما ترد عبارة (للبيع كلية شاب أو فتاة بداعي السفر)، أو من خلال استغلال أحلام الشباب بالسفر والعمل لجمع المال، خاصة السفر عن طريق التهريب عبر الحدود.

هنا تسقط الأحلام في الهاوية، وبدل أن يسافر الشاب تسافر أعضاؤه إلى بلدان مختلفة، ليكون ضحية الزيف في زمن ضاعت فيه الإنسانية بضربة مشرط وقالب من الجليد، زمن جعل من أعضاء السوريين ثروة وتجارة رابحة، تفتحت مع تفتح أحلامهم الوردية، وارتوت من قطرات دمهم النازفة من قلب كل شاب نابض بحبه للحياة.. ولكن هناك طبيب لفَّ يده بالوشاح الأسود ليسرق هذا القلب مقابل المال، ورأينا هذا الشيء موثقاً بتوثيق طبي، أجراه الدكتور حسين نوفل رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي في عام (2015) قدّر عدد حالات الاتجار بالأعضاء البشرية للسوريين بأكثر من 18 ألف حالة في أربع سنوات، موضحاً أنه حتى مطلع عام 2013، نقلت أعضاء 15600 شخص من أصل 62 ألف جريح عولجوا في دول الجوار، وبنى نوفل إحصائيته هذه على مسح شامل في المناطق الساخنة والحدودية للمتوفين نتيجة الحرب، وهي تحتوي على صور ومقاطع فيديو ووثائق أخرى.

طبعاً لا يمكن أن نوجه أصابع الاتهام إلى فئة واحدة من المتنازعين على الأراضي السورية، لأن هناك أشخاصاً ضعاف النفوس ومن كل الأطراف والمناطق، ساهمت بنزع أحلام الشباب والصغار بالحياة الكريمة مع نزع قلوبهم وعيونهم وحتى أطرافهم، ولم تبخل على نفسها بسلب كلية أي شخص وقع تحت ساطورها، لتبيع في السوق السوداء أعضاء الشباب السوري بحفنة مال نزفت مع كل قرش قبضته، حفنات من الدم والدموع من عيون الأمهات لوعةً على أبناء غيّبتهم الحرب بفعل ساطور جزار بلا رحمة.

العدد 1107 - 22/5/2024