روبرت كونكست …عميـد العداء الأكاديمي للشيوعية

 تخدم الجامعات والكليات مثل كل المؤسسات في ظل الرأسمالية حاجات الطبقة الحاكمة، تحترف بحثها كي تحجب واقع الصراع الطبقي وتقدم إيديولوجيات الأسياد المميتة المعادية للعامل: العنصرية والجنسانية (التمييز على أساس الذكورة والأنوثة) والتعصب القومي والإمبريالية والعداء للشيوعية. وتبدو أجندتهم أكثر وقاحة في حقل الدراسات الروسية أو السوفييتية، أنشئت الأقسام القيادة في قلاع مثل هافاردو كولومبيا في خمسينيات الحرب الباردة في القرن العشرين، على يد خريجي مكتب الخدمات الاستراتيجية، سلف وكالة الاستخبارات المركزية، وكانت مهمتها منذ البداية الترويج للبروباغاندا المعادية للشيوعية المتنكرة كثقافة أكاديمية.

توفي في 3 آب روبرت كونكست، أكثر أعدا الشيوعية نفوذاً في الأكاديميا في القرن العشرين عن 98 عاماً، وكما كان متوقعاً مجّد إعلام الرأسماليين الليبراليين عمله. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز قصص كونكست الخيالية كحقيقة، وأثنت على (دراساته البارزة للتطهيرات الستالينية والمجاعة الأوكرانية في ثلاثينيات القرن العشرين والتي وثقت الرعب الذي مارسه النظام السوفييتي ضد مواطنيه)، ووصفته صحيفة (الغارديان) بـ(الرجل الذي روى الحقيقة عن إرهاب الثلاثينيات وطغيان ستالين القاتل).

عميل سري رأسمالي

في الواقع كان كونكست عميلاً اشترته الطبقة الحاكمة، وتحتل سيرته المكان الأول في الكذب والخداع: بحثه الزائف وشهرته الهائلة، يتحدث مجلدات عن كيفية تشويه (الأكاديمية) الرأسمالية للتاريخ، وتعد مؤلفاته ميثاق عمل للدعائيين النازيين.. وفيما يلي بعض الحقائق عن المحارب الأول للأسياد في حربهم الأيديولوجية ضد الطبقة العاملة العالمية:

1- حصلت كونكست المواطن البريطاني الأمريكي، على الدكتوراه في التاريخ السوفييتي من جامع أكسفورد، زبدة التعليم العالي الرأسمالي، وهناك انضم إلى الحزب الشيوعي في بريطانيا العظمى في عام 1937 ، وانسحب منذ بعد عامين عندما شجب الحزب الحرب العالمية الثانية بوصفها رأسمالية وإمبريالية. (الغارديان في 15 آب 2015).

2- بعد أداء مهمة في زمن الحرب كضباط استخبارات بريطانية، انضم كونكست إلى دائرة أبحاث المعلومات IRD)  )وهي قسم سري في وزارة الخارجية البريطانية، كريستوفر مايهور، الوزير العمالي الذي ابتكر هذه الدائرة وصفها بأنها (هجوم دعائي مضاد) خفي ضد الروس، وكان عملها (جمع وتلخيص معلومات يعوّل عليها عن الأخطاء السوفييتية والشيوعية، وتوزيعها على صحفيين وسياسيين ونقابيين أصدقاء، ودعم المطبوعات المعادية للشيوعية مالياً وبطرق أخرى). (مجلة نيويورك للكتب في 25 أيلول 2003)، عُرفت هذه بـ(بروباغندا رمادية)، وهي مادة رسمية ملفقة بدرجة كبيرة ومبهمة أخفت دوماً مصدرها.

3- ترك كونكست رسمياً دائرة أبحاث المعلومات في عام 1956،ولكنه واصل العمل على نحو وثيق مع صلاته الاستخباراتية البريطانية حتى عندما أصبح معروفاً ككاتب ومؤرخ، وكان أول عمل له ككاتب مستقل، عند طلب مدربيه، هو تحرير ثمانية مجلدات لدائرة أبحاث المعلومات في (سلسلة دراسات سوفييتية) أعيد طبعها في الولايات المتحدة من قبل دار النشر براغر بريس المدعومة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية. (فرنسيس ستونور ساندوس، الحرب الباردة الثقافية: وكالة الاستخبارات المركزية وعالم الأدب والفن، نيوبريس 2000).

4- في عام 1968 نشر كونكست كتابه الأشهر الذي أصبح الدليل الأساسي المعادي للشيوعية لدى الأسياد: (الإرهاب الكبير: تطهير ستالين في الثلاثنيات)، في تحليل ينتهك كل قواعد الديموغرافيا والعلم، قدر أن ستالين مسؤول عن موت عشرين مليون إنسان. (فيما بعد أعاد النظر بتخمينه ليصبح ثلاثين إلى خمسين مليوناً). نُشر (الإرهاب الكبير) بمساعدة دائرة أبحاث المعلومات، واشترت دار النشر براغر بريس ثلث الإصدار.

5- في عام 1981 طلب معهد الأبحاث الأوكراني في هارفارد من كونكس تأليف كتاب حول ما يسمى (هولودومور) أو (إرهاب الجوع) في أوكرانيا في عام 1932-،1933 ودعم الطلب بثمانين ألف دولار من الاتحاد القومي الأوكراني، وهي جماعة مقرها في نيوجرس كانت صحيفتها (سفوبودا) قد حُظرت في كندا خلال الحرب العالمية الثانية، بسبب تعاطفها مع ألمانيا. (فليدج فويس في 12 كانون الثاني 1988).

6- يقدم الكتاب الناتج (حصاد الحزن) زعماً لا أساس له، وهو أن ستالين جوّع متعمداً ملايين الرجال والنساء والأطفال، كي يعزز نشر التعاونيات الزراعية، ومع أن الكتاب قيّم إيجابياً في (نيويورك تايمز) ومجلة (نيويورك للكتب)، إلا أنه واجه نقداً لاذعاً من قبل عدد من العلماء السوفييت، وقال عنه موشيه ليفين من جامعة بنسلفانيا، الذي يصف نفسه بعدو الستالينية (هذه نفاية). (فليدج فويس).

7- لم تكن الحقائق أبداً على درب كونكست.. يقول في (الإرهاب الكبير): (وهكذا يمكن فقط النفاذ إلى الحقيق بشكل إشاعة. المصدر الأفضل في المواضيع السياسية، وإن لم يكن معصوماً، هو الإشاعة). أعطت هذه المقاربة حرية الاعتماد على ذكريات الخدمة الذاتية لمهاجرين قوميين أوكرانيين معادين بشدة للشيوعية، وكان العديد منهم متعاونين مع النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

8- بعد بدء فتح الأرشيفات السوفييتية للمؤرخين في تسعينيات القرن الماضي، أكد كونكست أن هذا المصدر الأولي للمواد دعم افتراءاته ضد ستالين.. أما المؤرخون الأمناء من أمثال آرتش غيتي (من جامعة كولومبيا) وغرومز فار (من جامعة مونتكلير الحكومية) وجدوا أن الأرشيفات السوفيتيية تناقض كونكست دائماً. لقد استندت مزاعم كونكست إلى الأكاذيب الكبيرة التي أطلقها قادة مضللون سوفيتيون تحريفيون، وأبرزهم نيكيتا خروشوف وميخائيل غورباتشوف.

لماذا يكره الأسياد ستالين؟!

تعتمد الرأسمالية على العنصرية والجنسانية لتقسيم الطبقة العاملة وتجنيدها في حروبها الإمبريالية. أظهرت ثورة 1917 الروسية أن نظاماً آخر ممكن. مضى الاتحاد السوفييتي تحت قيادة ستالين أبعد من أي مجتمع آخر في محو العنصرية والجنسانية. يلطخ العداء للشيوعية التقدم الكبير الذي حققته الطبقة العاملة السوفييتية، ويبني الكذبة بأنه لا يوجد بديل عملي للرأسمالية. بمهاجمة ستالين والاتحاد السوفييتي يحاول الأسياد تحويل أنظار الطبقة العاملة عن أهوال الرأسمالية، نقف إلى جانب نجاحات الاتحاد السوفييتي، وننتقد أخطاءه، ونناضل لتعليم الطبقة العاملة الحقيقة.

(الجريمة) الحقيقية لقيادة ستالين في أعين الأسياد، كانت التزام الاتحاد السوفييتي بالطبقة العاملة العالمية، عندما غزت ألمانيا النازية الاتحاد السوفييتي في عام ،1941 كانت قيادة سالين ذات أثر في خلق صناعة ثقيلة مطلوبة لأجهزة الحرب، وكانت هذه مهمة ضخمة نظراً لأن المعامل كان ينبغي تفكيكها وإعادة تركيبها بعيداً شرق جبال الأورال، في الوقت الذي كانت تقصفها فيه الطائرات الحربية النازية.. وربما كان الإنجاز الأكبر لقيادة ستالين تطوير الجيش الأحمر، القوى المتعددة الأعراق والإثنيات المكون من لغات عديدة ومئات الجماعات الإثنية.. لم يتحذ الجيش الأحمر فقط التوقعات العالمية بأنه سينهار خلال ستة أسابيع، بل تعقب النازيين إلى برلين ورفع العلم الأحمر فوق الرايخستاغ. نجا عمال العالم من الفاشية النازية بفضل الجيش الأحمر، وكما في أية حركة ثورية، ارتكبت قيادة سالين أخطاء، عكست أخطاء الطبقة العاملة السوفييتية، الأولى التي خضت ثورة مسلحة وتعلمت كيف تدير مجتمعاً لخدمة حاجات العمال.. وعلى الرغم من العديد من نقاط الضعف الجدية، مثلت قيادة ستالين أفضل تمثيل الطبقة العالمية، ويتمسك شيوعيو اليوم بهذا الإرث في نضالهم الذي لا يلين ضد أهوال الرأسمالية التي تدافع عنها حشرة مثل كونكست، نالت ثناء أقطاب الإمبريالية مثل جورج بوش ومارغريت تاتشر.

العدد 1107 - 22/5/2024