«سيلفي» ومشتقاته.. العصا ليست لمن عصى

(سيلفي) هي طريقة تصوير المرء لنفسه أو لمجموعة معه بكاميرا موبايل غالباً، وهي من الآثار الجانبية للهوس بالتقنيات التي تهطل كل يوم على رأس المستهلك، يمكن ترجمتها إلى العربية بعبارة (التصوير الذاتي) بانتظار أن يفتي مجمع اللغة العربية في مقاربة المصطلح الذي يغزو حياتنا وحياة الملايين من سكان الكوكب، وأعدكم وأعدني بأن المجمع لن يتأخّر في ترجمة المصطلح أكثر من بضع عشرات من السنوات.. وحينذاك ستكون قد هطلت علينا مئات الآلاف من المصطلحات المشابهة..

هذه، بالمناسبة، ليست دعوة لتعريب أي مصطلح خوفاً من (غزو ثقافي) مثلاً، فاستعمال الغرب لمصطلحات عربية وترجمة كتب الطب والفلسفة إلى لغاته لم يمنع نهضته وتقدّمه، وتركنا في العربة الأخيرة من القطار نتقاتل وتجدد معارك طمرها غبار القرون، ننفض الغبار عنها ونعيد تلميعها وتلميع السيوف الصدئة، لنعود إلى التقاتل بلا رحمة.. نعود إلى سيلفي، بلا استطراد ولا شرود.. فقد ملأ الدنيا وشغل الناس، وحفلت صفحات الإنترنت والتواصل الاجتماعي خصوصاً بصور سيلفي، وبدأت نرجسية الإنسان تظهر من خلال الإكثار من (السيلفي) على صفحته أو في تغريداته.. وصارت مواقع إلكترونية تعطي دروساً في كيفية التقاط سيلفي مميز، ثم انتبهت شركات الموبايل إلى الموضوع ولم تتأخر كثيراً في استثمار هذا الهوس الجديد، و(حلال عليهم) طبعاً، إذ حلَّت مشكلة قرب الموبايل (آلة التصوير المعتادة في السيلفي) من وجه الشخص (المسيلف) باختراع ما أسمته (عصا السيلفي)، وهي عصا يمكن التحكم بطولها، ويُركَّب الموبايل أو الآيفون في نهايتها، لتبعده عنك (أو عنكم) المسافة التي ترغبها، مع وجود زر عندك تستطيع به تصوير نفسك أو (الشلة) من المسافة التي تراها مناسبة، فإذا وجدتَ شباباً وصبايا يحملون عصياً، فلا تخف ولا تجزع، أخي الذي لم تصله لوثة السيلفي بعد، إنهم ليسوا بلطجية ولا ذاهبين إلى مشاجرة، وليست العصي التي بأيديهم مظلات أو عكاكيز لا سمح الله، إنها عصي السيلفي التي لن يطول الأمر حتى تصبح رفيقة الصغار والكبار، وربما نضطر، نحن الذين جاءتنا التكنولوجيا على غفلة ونضطر إلى اللحاق بها كل لحظة، إلى حمل هذه العصا يوماً والتلويح بها، كلما شاهدنا منظراً أعجبنا وأردنا أن نلتقط معه أو له صورة تذكارية..

قد تلتقي مصادفة بصديق أو قريب لم تره منذ زمن طويل، وحتى تحتفظ بهذه اللحظة الجميلة كنتَ تطلب، سابقاً في عصر ما قبل السيلفي، من أحد العابرين أن يقوم بالتقاط صورة لكما، لكن هناك مخاطرة هنا، مثلاً أن ياخذ الرجل موبايلك ويشمِّع الخيط، فيما أنت وصديقك تتهيأان لأخذ أفضل الوضعيات للتصوير، أو في أفضل الأحوال قد لا يكون ماهراً في التقاط الصورة، ف (يقطع أيديكما وأرجلكما من خلاف)، لتظهر الصورة وكأنها لاثنين من ضحايا محاكم تنظيم داعش.. عند ذاك لا حلّ أمامك عزيزي المواطن إلا عصا سيلفي السحرية، عصا لطيفة ناعمة، صغيرة وتتمدد، تستطيع بها تصوير مقاطع فيديو غير مفبركة، وأنت تعبر مناطق تحبها من مدينتك أو بلدك، بعد أن تستسمح حرّاس الهواء طبعاً.

نبتسم الآن ونحن نتحدث عن عصا السيلفي، لكن صدقوني قد نجد أنفسنا بعد وقت ليس بطويل ونحن نحملها أسوة بباقي سكان الأرض، إنه الغزو التكنولوجي الجميل في جوانب والمتعب في جوانب والسخيف في جوانب أيضاً، لكنه غزو لا مفرّ منه.. ربما نردد مع المرددين يوماً: سيلفي والبحر من خلفي..

العدد 1105 - 01/5/2024