العلم.. السلاح الأول والأهم

مازالت دميته الشقراء مها تزور ذاكرتي في كل حين، حتى أنها تخبرني عن عمٍّ اسمه: منصور، صيّر لها بيتاً أجمل من بيت العصفور، أما الوردة الحمراء في القارورة الزجاجية فهل ذَبُلت أم أن ذلك الفلسطيني استردّ منزله؟ وما عناه شأن زهرة؟

ذاكرة طفولية مفعمة بأحاديث المجد وقصص الأبطال، رموز كانت لعقولنا منارة، حتى أن كتابي كان يشرح لي درس قواعد اللغة ومسألة الرياضيات في مرضي، سنوات دراسية مضت كنت فيها أحفر على المقاعد الخشبية أطراف حلمي ومن دم الكتب يشرب.

الآن، بعد أن هرول بي الزمن بعيداً عن الكتب المدرسية، سرقت اللحظة وعدت أبحث عن ريم وعن باسم فما وجدت إلاّ بقايا ذئب يلتهم الحمام، سألت عن الفتى الرّسام ألم يُنه رسم وطنه بالألوان؟ فلقيت أولاده من محرك بحث إلكتروني أمام شاشة صغيرة قد زاروا سطح القمر.

كيف يذبل في عيونهم حلم طوق النجوم وأرجوحة على جدائل القمر؟

هل التطور ينزع عن الأحلام خرافيتها؟

كيف يبقى الحلم جولة على جناح طائر، وقصيدة غجرية ترقص على هدير طائرة في صفحات كتبهم!؟

صار الكتاب زائراً أو ساعي بريد يوصل العنوان، وعلى الطلبة البحث في خارطة المفاهيم عن معلومة تبني صرح دماغهم، وماذا عن ذلك المتكاسل أو صديقه المتواكل أو حتى خالي الوفاض ذاك، لا شبكة إنترنت ترشده ولا جهاز لوحيّ يعينه، والدروس الخصوصية لا تناسب جيب والده الموظف؟

اليوم حاولت وزارة التربية السير قدماً بالمناهج التربوية، لترقى بها نحو زمن الانفتاح والتكنولوجيا، فصار المرجع رابطاً، والتاريخ بأسلاك الشبكة العنكبوتية يتأرجح.

لا شك أن مواكبة سيل التحضر شيء مهم بل هو فعل إجباري، لكن لا نفتح نوافذنا لكل أنواع الرياح المتجددة، فتسرق منا لحاءنا دون إذنٍ منا.

 عندما نريد التجديد أو التحديث، يجب علينا مراعاة الموارد المتوافرة، إضافة إلى الشريحة التي سيُطرح عليها هذا النخب الجديد، والكوادر التي سترش العبق المستحدث، هل عندها الأهلية والخبرات اللازمة؟ هل ما تمّ تحديثه هو عين الصواب؟

العلم هو السلاح الأول والأهم الذي يتوجب على الأمم اتخاذه، فهو منفذها نحو التطور لا المال ولا السواعد تبني إن كان العقل يحتضر، ونحن بخطوة تطوير زائف أعدنا ربيع العقول يَباباً، لا المجد ظل بهيبته ولا الشعر قاله فرسان، والنوح على أطلال زمن مضى لا يجدي في حربنا نفعاً. إما العودة خطوة للوراء ودراسة كل الحيثيات اللازمة والبحث عن الطرق الأكثر دقة، التي ترعاها كوادر مؤهلة، ذات خبرة ودراية بالسبل الصحيحة التي تتماشى مع ظروف جميع الأطراف، طلبة بمختلف مستوياتهم العقلية، إضافة إلى الأساتذة، دون إغفال وتغييب دور الأهل كطرف في معادلة بناء العقول، وإما البقاء على التدابير المستعجلة ذات الأسس الهشة غير المدروسة، إنه قبر نحفره وندشّنه بالخطابات والصور التذكارية.

العدد 1105 - 01/5/2024