تغيّرٌ يطول الفكر ويكتنف أشياء غير معهودة !

تجاوزاً لما أثارته الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي حيال المناهج الدراسية الحديثة، ومعدّي هذه المناهج من تهويل وشتائم، وحاطتها السخرية والاستخفاف بالكادر التعليمي والتربوي القائم على حركة التغيرات، فإن إجراءات تعديل المناهج الدراسية التي شرعتها متطلبات المرحلة، لربما كانت خطة لكسر ما ألفته العقول على مدى سنوات عدة، الهدف منها جيل مختلف تماماً عن الجيل الحافظ للمعلومات المجردة، من الخبرات التي لا تربطها بالواقع والحياة روابط حقيقية.

فلكل آونة وحقبة دواعٍ ومعطيات لابد من أن تكون مختلفة عن سابقتها، وفقاً لتطور الحضارة الإنسانية عموما، وتطورات العلوم بشكل خاص، فنحن أمام زمن مختلف، إحداثيات مغايرة، ومتطلبات لا يمكن أن تكون رتيبة. والمنهاج السابق إن كان قد أثبت جدارتهُ وخلّف جيلاً جيداً، ليس بالضرورة أن يكون صالحا  لأجيال هذه المرحلة. خطوة التغيير بحد ذاتها خطوة لا بأس بها، ونحن بحاجة إليها في ظل التغيرات كافة.

أما المضمون فهو متناسب حتماً مع الهدف من هذا التغير، وبالتماشي مع تبعية الحرب التي لعبت دوراً محورياً في تربية النشء السوري، ولتخليصه من التشوهات الفكرية التي رُوج لها من قبل مُفتعلي الأزمة، والتوجه للفكر والثقافة عبر تغيير المناهج الدراسية، فهو عمل ننتظره منذ زمن، والعملية التعليمية قاب قوسي (الثقافة والخبرة الحياتية)، هي مرادنا كجيل سئم الفجوة بين ما يتلقاه وما يصارعه على الأرض، ولعلّ محتوى المنهاج الحالي يفي بغرض إعداد جيل يمتلك حدوداً ثقافية تؤهله لاحقاً للحياة الجامعية والعملية. كما أنّ التطوير والتعديل الذي طال المناهج بحاجة أن يطول الكوادر القائمة على التدريس لإيصال الصورة الصحيحة من هذا التغيير، ويبقى لنا الأمل في إعطاء الفرصة للخريجين من الأجيال الشابة، فمفهوم سنوات الخدمة والخبرة آن الأوان لقذفه بعيداً، كما أن الخبرًة ليست بسنوات الممارسة فقط، إنما هي بأسلوب مواجهة المعطيات ضمن الإمكانات المُتاحة والمطلوبة.

غير أنه لا نفع من مواصلة تغذية المخاوف والتصورات التي طالما حدّت عملية التطور، فالخوف من التغيير أو أي خطوة تخترق المألوف، قد يُصبح عائقاً أمام تطورنا على مختلف الأصعدة والاتجاهات.

العدد 1105 - 01/5/2024