إعادة الإعمار… إجراءات لا بد منها

لقد تسببت الحرب العالمية الثانية 1939-1945 التي أشعلتها أكثر البلدان الإمبريالية رجعية (ألمانيا- إيطاليا- اليابان) بمقتل أكثر من 60 مليون إنسان ودمار عشرات آلاف القرى والمدن ومئات آلاف المدارس والمشافي وتدمير البنية التحتية في كل من الاتحاد السوفييتي وأوربا بما فيها ألمانيا وإيطاليا، وبعد أن توقفت الحرب بسقوط برلين تحت أقدام الجيش السوفييتي واستسلام دول المحور، بدأت إعادة الإعمار في كل من أوربا والاتحاد السوفييتي.

فالاتحاد السوفييتي أعاد إعمار كل مادمرته الحرب فيه خلال خمس سنوات معتمداً على إمكاناته وقدراته الذاتية وجهود الشعب السوفييتية العظيم. لم يعتمد الاتحاد السوفييتي في إعادة بناء روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي على القروض الأجنبية والمساعدات الخارجية من أمريكا وبريطانيا حلفائه في الحرب، وإنما اعتمد على قواه الوطنية والذاتية، فكانت سياسته تتويجاً وترجمة لطريقة إعادة البناء التي سلكها، فكانت سياسته إلى جانب الشعوب المضطهدة ودعم حركات التحرر الوطني في العالم ودعم استقلال البلدان المستقلة حديثاً وإلى جانب الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية وإلى جانب البلدان الأوربية الشرقية التي تحررت من العدوان النازي بانتهاء الحرب العالمية. أما إعادة الإعمار في أوربا الغربية فكانت وفق مشروع مارشال الأمريكي الذي قدم مئات مليارات الدولارات الأمريكية التي أبقت دول أوربا الغربية مرتهنة للسياسة الأمريكية حتى اليوم، بل جعل من أوربا مستعمرة أمريكية بامتياز وجعلها قارة عجوز كما يطلق عليها الأمريكان. وهكذا وبناء على طريقة إعادة الإعمار تحددت سياسات الدول الخارجة من الحرب.

فلنُسقط هذه المعادلة الآن على إعادة الإعمار في سورية، إن إعادة الإعمار في سورية لأكثر من 70% من بنيتها الاقتصادية والخدمية والزراعية وحتى التعليمية ومصانع ومعامل ومنشآت وسكك حديد سيتم بأحد شكلين، الأول هو اعتماد مشروع كمشروع مارشال يعيد سورية إلى المربع الأول ويؤثر على سيادتها وقرارها المستقل، والثاني ذاتي اعتماداً على القوى الذاتية الوطنية (قطاع عام – قطاع خاص) ومساعدة الدول الصديقة روسيا – إيران – الصين – فنزويلا (دول بريكس – ومعاهدة شنغهاي) وإعطائهم حصرية استخراج الغاز والبترول وبناء ماهُدِم. وهذا يتطلب توفير آلاف المليارات من الدولارات يجب توفيرها من الأموال السورية المودعة في بنوك العالم، إضافة إلى الرأسمال الوطني الخاص والعام والرأسمال الصديق وتوفير الشروط الموضوعية والقوانين والتشريعات التي تخدم التنفيذ، ويمكن أن يساعد في إعمار سورية مانراه مناسباً فيما يأتي:

1- الحد من هدر المال العام والحفاظ على مال الخزينة وقيمة الليرة السورية وذلك بـ:

أ) وقف استيراد السيارات الأوربية واليابانية والأمريكية مؤقتاً.

ب)سحب كل السيارات من بيوت المسؤولين من وزراء ومديرين عامين ومحافظين وقادة شرطة والإبقاء على سيارتين على الأكثر، ماذا يعني أن يكون أمام بيت منزل قائد شرطة ست سيارات من نوع (تويوتا- قياس كبير، فكيف ببيت الوزير والمحافظ؟

ج) إتلاف كل السيارات والآليات بنصف عمرها في مرائب جميع المؤسسات والشركات والوزارات ووقف عمليات الإصلاح، لأن إصلاح بعضها يكلف أكثر من ثمنها جديدة من خلال السرقة في آلاف الفواتير المزورة.

د) تخفيض رواتب البعثات والوفود إلى الخارج ومخصصاتها، لأنه من المعروف أن رواتب موظفي السفارات في الخارج ومخصصاتهم ضخمة، وتخفيض مخصصات الطلبة الموفدين على حساب الوزارات للدراسة في الخارج وتخفيض التعويض للوفود الحكومية إلى الخارج أو إلغائه.

هـ) وقف الصرف على الاحتفالات في كل المناسبات مؤقتاً.

ز) سحب جميع السيارات ومصاريفها ممن أصبحوا خارج العمل في كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

و) تحويل رواتب كل العاملين في الدولة وغير الموجودين على رأس عملهم إلى الخزينة العامة.

2- إعادة جميع الأموال المودعة في بنوك العالم والاستثمار بها وطنياً وإصدار قانون إسقاط الجنسية عن كل من يتخلف في استثمار أمواله في إعادة الإعمار (كما فعلت ماليزيا) وإصدار تشريعات وأحكام وطنية تسهّل استثمار الأموال العائدة للإعمار.

 3- استصدار وتفعيل قانون (من أين لك هذا) وخاصة خلال الأزمة الوطنية حالياً.

4- وقف تحويل استيراد جميع الكماليات ومظاهر الفخفخة من الألبسة والأغذية والسيارات وغيرها.

5- إنشاء معامل للباصات وسكك الحديد بالسرعة الكلية لتغطية عشرات آلاف الكيلومترات الطولية داخل المدن وخارجها بالتعاون مع روسيا والصين وإيران ومصر.

6- تفعيل مؤسسة التجارة الخارجية وجعلها منافساً قوياً للقطاع الخاص المستورد وفي كل المواد التي يحتاجها السوق السوري، وتفعيل مؤسسة التجارة الداخلية وإحداث صالات استهلاكية لكل عشرة آلاف نسمة صالة وجعلها تبيع بسعر يقل 25% عن السوق.

7- تسهيل عودة المهجرين من الخارج وخاصة عشرات الآلاف من الكفاءات العلمية للمساهمة في إعادة الإعمار وسن قوانين تساعد على ذلك.

8- إسقاط الجنسية عن كل المبعوثين على حساب الدولة ممن رفضوا العودة إلى سورية بعد أن صرفت الدولة على كل منهم ملايين الدولارات، وإلزامهم بدفع خمسة أمثال المبلغ الذي صرفته الدولة عليهم.

9- تطوير الطاقة الكهربائية بالمفاعلات النووية اعتماداً على روسيا وإيران.

10- بناء السدود على مجاري الأنهار الغزيرة شتاء (نهر البارد – نهر أبوقبيس مثلاً…) واستثمار مياهها في الشرب والري.

11- تخفيض تكاليف مستلزمات العملية الزراعية بتخفيض أسعار الأسمدة بنسبة 50% وتخصيص مازوت زراعي بسعر لايزيد عن 50 ل.س ورفع أسعار المحاصيل الزراعية الاستراتيجية (قمح- قطن).

12- إعادة الأموال التي جمعت بشكل غير شرعي وذلك بحصر الممتلكات من عقارات وأموال وبيعها وإعادتها إلى خزينة الدولة، وذلك بتشكيل لجان محلية موثوقة تقدم إحصاءات دقيقة بذلك.

13- إعادة ترتيب القطاع الصناعي العام والخاص بحسب الأولويات الوطنية التي تخدم إعادة الإعمار.

14- إحداث محاكم ميدانية وتجريم كل من يتسبب بالجريمة أو يقوم بها من خطف وسلب ونهب وقتل ورفع الأسعار.

15- استغلال البناء عمودياً عبر أبراج عالية وتعريض الشوارع وجعلها أوتوسترادات وإلغاء الأزقة في المدن والبلدات المدمرة وخاصة في مناطق المخالفات.

16- تشكيل حكومة تسمى حكومة إعادة الإعمار، بحيث تكون حكومة كفاءات مشهود لها من خلال دراسة ملفين لكل وزير أو معاون أو مدير عام (ملف علمي وملف مهني سلوكي) ومشهود لها بنظافة اليد.

17- قطع العلاقة نهائياً (في مرحلة إعادة الإعمار على الأقل) بالمؤسسات المالية العالمية القذرة (صندوق النقد الدولي- البنك الدولي- الجات).

العدد 1105 - 01/5/2024