نُسميه بالخريف وهو أصل العطاء

حُكِمَ على الخريف بأنه النهاية، تتسلل التهم إلى سجل أيامه، فيصير سبب الحزن وفصل الكآبة المعتاد بأوراقٍ تتلون وتسقط، وننسى أنه قد أعطى على مدار عام وعشنا على خيره. كما أننا نستخدم مصطلح (خريف العمر) لكل إنسان اعتقد المجتمع أنه قد وصل إلى عقوده الأخيرة ويوماً ما ستسقط ورقة تُعلن النهاية، فتُحول العواطف معاملتنا لهم لتصير مسبوغة بالشفقة والعطف.

اليوم، في ظلّ الحرب السوريّة، باتت الحياة صعبة وشاقّة تتنصل الرقاب من الأعباء ولكنها تلاحقهم، والمُسِن من ثِقَل حُمولة الحياة صار مكروهاً، إذ يرى فيه البعض أنه رقم زائد في معادلة الأسرة صعّب عليهم حلّ إشكالياتها ومتطلباتها.

ربما قبل الحرب كان هناك القليل من الرعاية للمُسِنين، فالمال موجود ودور الرعاية تتكفل بهم، وحتى ظروف الحياة كانت أسهل تُتيح للأسرة القدرة على تقديم رعاية صحية وشخصية للمُسِن.

وفي كلتا الحالتين يظلُّ المُسِن في نظر البعض مصدر إزعاج، وشخصاً يسلب من الحياة ما لا يحق له بل هو حقٌ لجيل الشباب، فيُستثقل وجوده في كنف الحياة، في حين أن الموت يسرق الشباب زهوراً لم تتفتح بعد.

وفي الجانب العملي يجري إقصاء كل موظف عن عمله ما إن يصل إلى سن الستين، وننسى كل الخدمات التي قدمها والخبرات العظيمة التي أكسبته إياها سنوات الخدمة، فيصير جزءاً فائضاً عن الحاجة، بل يضيق بوجوده المكان، وما زال الشباب يرى في وجوده ضمن الوظيفة أرقى فرص وأكثر ضمان للمستقبل!

أيُّ ظلم هذا وأيّ مساس بروح إنسان!؟

نُسميه (الخريف) وهو أصل الزرع وله كان الجنى…

تحت مختلف الحجج والذرائع نتخلى عنه.. تحت غطاء، هكذا أفضل له… سيجد من يشاركه أوقاته… الخ

نرمي بأهلنا ضمن دار المسنين، وبكل فخر نحكي عن إنجازنا!!

من تعب وأعطى نقابله بالجفا والوحدة؟! النسيان! إنكار الجميل!

لا قبل الحرب ولا خلالها حظي أيّ مُسِن برعاية تليق به، ولا قُدمت له رعاية صحية ونفسية تتناسب مع عمره، قلّة أولئك الذين يعرفون حساسية المُسِن والحاجات المختلفة له ويلبيها.

حاجته إلى الحب والاهتمام لا تقل عن أي إنسان آخر إن لم تكن أكثر.

لمَ التقليل من شأنهم وإهمالهم؟

في ظل هذا نرى أن الأمم المتحدة اعتمدت الأول من تشرين من كل عام يوماً عالمياً للمسنين بهدف رفع نسبة الوعي بالمشاكل التي تواجه كبار السن وإساءة معاملتهم، مما يؤكّد وجود واقع مرير يعاني منه كل مُسِن بعدم وجود اهتمام ورعاية كافية تضمن له السلام الداخلي والاستقرار النفسي.

المسألة إنسانية يدرك من خلالها كل شخص كيف يتعامل مع المُسِنين ويقدر ما أعطوه.. نعترف بما أنجزوا وبنوا..

كما أن للمجتمع والحكومة الدور الأكبر في فرض الاحترام والاهتمام على هذه الفئة وتكريس جمعيات أو نشاطات ترعاهم.

العدد 1107 - 22/5/2024