بعضٌ من دعمٍ يبقيهم على قيد الأمل

يعيش الإنسان، عموماً، طيلة حياته وهو يعطي ويقدِّم لكل من حوله، وتمضي السُّنون حتى يصل إلى المرحلة الأكثر نضجاً ووعياً بعد تراكم التَّجارب والخبرات، وهي المرحلة ذاتها التي يُحال فيها إلى التَّقاعد، لا التقاعد المهني فحسب، بل في كل المستويات، فغالبية الناس تنظر إلى جعبته التي يرونها قد فرغت مما قد يعطيه، وأنه أدَّى رسالته كلَّها فلم يبق لديه ما يقدمه، ويصبح من كانوا بحاجته ذات يوم قادرين على القيام بمهامهم بأنفسهم، فيستغنون عنه ويحوِّلونه إلى شيءٍ زائدٍ في حياتهم ويرونه حملاً إضافياً على أعبائهم، ما يشعره بأنه بلا قيمة، فيجلس متحسِّراً على ما مضى ويتمنى لو أنه لم يصل إلى هذه المرحلة غير مدركٍ لا هو ولا المحيطون به أنه قد وصل إلى محطَّة الرَّاحة والاستمتاع بما فاته حينما كان مشغولاً.

كم هو رائع أن تملك الوقت الذي يجعلك تفعل كل ما تطمح إليه، فتجدِّد حيويتك ونشاطك بالدُّخول في مجالاتٍ جديدةٍ عليك، كأن تمارس هوايةً تحبها أو تسافر في رحلات ترفيهية في أنحاء العالم!!! إلاّ أن حال المسنين في بلادي يدعو للرثاء، فلا يتوفر دعم معنوي ولا مادي ولا صحي يتلقونه، وقد أمسوا بأمسّ الحاجة إلى العلاج من كثير من الأمراض بحكم المرحلة العمرية، ولا من مهتمٍ أو متابع، فهذا الأمر يقع على عاتق الدَّولة ومؤسساتها، لكن هذه المؤسسات إن وجدت فهي مجرد مكان يعيش فيه هؤلاء كي لا يكونوا عبئاً على من حملوهم في أرواحهم وقلوبهم، وأعطوهم كل ما يمكن، فدور العجزة والمسنين تطالب من سيحلّ ضيفاً عليها بتأمين مادي لقاء الخدمات التي ستقدمها له، فهل هذا منطقي؟!

أظن أن من يملك مالاً وهو في هذا العمر وتحديداً في مجتمعاتنا لن يفكر بأن يحلّ ضيفاً على هذه الأماكن، بل سيبحث عن عمل يشغل به نفسه أو مشروعه الخاص، وربما يسعى لتأمين سكن يقيه ذل العيش عند الآخرين، بينما نجد المجتمعات والدول التي تحترم الإنسان في كل مراحل عمره، وتقدِّم الرِّعاية الصِّحية المستمرَّة مدى الحياة سواء حينما كان يعمل وتأخذ منه مقابل خدماتها، أو حينما يُحال إلى التقاعد، وهكذا تحمي مسنِّيها من المرض أو الفقر من خلال الرَّاتب التَّقاعدي الكافي ليعيشوا بكرامتهم غير مضطرين لطلب تمديدٍ في العمل أو أن يمدّوا اليد للآخرين.. أما في بلادي، فأين هو الرَّاتب التَّقاعدي؟ وماذا بمقدوره أن يفعل؟؟ إنه لا يغطي نفقات العلاج وبعض الأدوية!!

إن كُنّا مقتنعين بمبدأ الفعل ورد الفعل، فأين هو رد الفعل المقدَّم لهذه الفئة المجتمعية من قبل الحكومة بعد كل ما قدَّمته لها خلال سني العطاء؟ وأين العرفان بالجميل والشُّكر؟ إن بطاقة شكرٍ في حفل تكريم المتقاعد فكرةً جميلةً عن اعترافنا بكل المجهود الذي بذله، لكنها لا تسدُّ رمقه، ولا تدفئه في برد الشتاء، ولا تعالجه من أمراضه العديدة.

فلنردَّ لآبائنا وأمهاتنا ومن منحونا الحياة حياتهم مجدداً، بعد أن فعلوا كل ما باستطاعتهم ليجعلونا أشخاصاً جديرين بالحياة، فقليلٌ من الرِّعاية والدعم يعيد لهم البسمة والفرح، ويشعرهم بأنهم لا يزالون على قيد أمل وحياة.

 

العدد 1107 - 22/5/2024