منازل للبيع

آخر أخبار النجمة الهوليودية الجميلة جوليا روبرتس، وهي بطلة الفيلم المعروف (امرأة جميلة)، يعني اسم على مسمى، أنها عرضت منزلها  الأثري في هاواي للبيع ب30 مليون دولار فقط لا غير، وهذا المنزل طبعاً ليس منزلها الأول الذي قال عنه أبو تمام:

كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبداً لأول منزل

وإنما هو أحد منازلها الموزعة على بقاع الأرض، فقد رزقها الله منازل وعقارات وأطياناً أكثر مما رزق حكام العالم الثالث وزعماء أحزابه وعشائره وطوائفه، والفارق بين جوليا وهؤلاء أنها لم تسرق ما جنته من ميزانية الدولة أو من سرقة نفط البلد أو آثاره، أو من التفرد بعقود الاقتصاد والتجارة بلا منافس على طول البلاد وعرضها، ولا ورثت موقعاً من أبيها أو أمها يدرّ كل هذا المال، وإنما جاءت هذه الثروة من مبالغ مكشوفة ومعلنة وخاضعة للضريبة، قبضتها النجمة عن أدوارها المهمة في أفلام هوليوود وجوائزها التي نالتها عن هذه الأدوار.

30 مليون دولار ثمن بيت أثري ربما لا تزوره جوليا إلا أياماً معدودات خلال العام، تاركة إياه للقائمين على الخدمة والحراسة، وأتخيل أن أكثر من سيتضرر من بيع هذا المنزل هم طواقم الخدم و(البوديغاردات) والبستانيون والطباخون والسائقون، الذين يعملون في القصر وتصرف جوليا رواتبهم من حرّ مالها، إذ من الطبيعي أن يلجأ المالك الجديد إلى تبديل هذه الأطقم كما يغير أطقم المفاتيح، وبالتالي سينضم هؤلاء إلى جيش العاطلين عن العمل.

و(جكارة) بالسيدة روبرتس قررت أنا العبد لله أن أعرض منزلي الذي لم أره منذ 3 سنوات، أي منذ أن نزحنا منه، للبيع،  ب5 ملايين ليرة، أي ما يعادل أقل من ربع مليون دولار بالسعر الدارج للدولار لحظة كتابة المادة، أي ما يعادل جزءاً من مئة وعشرين من قيمة منزل المحروسة جوليا، على أن يتم البيع (على المخطط) ودون أي إمكانية للكشف على المنزل بسبب وجوده في منطقة تماس، وهي إحدى مناطق حزام الفقر الدمشقي الذي كان يأوي ملايين السوريين قبل الحرب، واضطر معظم هؤلاء إلى الانتقال إلى مناطق آمنة في دمشق أو خارجها واستأجروا ما يشبه المنازل بأجور خيالية، ومن لم يعجبه يمكنه الذهاب إلى مراكز الإيواء التي تجمع أكثر من عائلة في غرفة واحدة  في أبنية على الهيكل أو في مدارس حكومية خصصت مراكز إيواء.

أعرض منزلي العزيز للبيع دون أي مسؤولية عن وضعه الحالي، ولا عن عدد القذائف التي أصابته أو التي ستصيبه، أو احتمال تعرضه لغارات أو قصف فيما لو استطاع المسلحون السيطرة عليه، أو انسحبت قوات منه انسحاباً تكتيكياً طبعاً.

في توصيف المنزل أيضاً أنه كان فيه أثاث كامل ككل منازل السوريين، وقد انتقلت السيطرة عليه من جماعات إلى جماعات، جرى خلال ذلك (تعفيشه) على دفعات، حتى لم يبق سوى البلاط الذي تُرك بسبب قدم (موديله) وعمره القديم، إذ إنه من شغل المؤسسة العامة للإسكان ولم يعد يصلح للكسوة حالياً، وهو بحاجة إلى إعادة إكساء بالأسعار الدارجة، بعد ترميم آثار القذائف والصواريخ والهاونات وغيرها من خيرات هذه الحرب، وإزالة الدشم والطلاقيات والممرات وقواعد إطلاق القذائف وذكريات المتحاربين المكتوبة على ما تبقى من جدرانه وأسماء حبيباتهم وخليلاتهم وقراهم ومشايخهم وأوليائهم، التي كتبوها آملين أن تؤمّن لهم حماية ما، من الرصاص الأعمى….

كل منزل سوري شهد هذه الحرب يصلح أن يكون متحفاً للحرب، شاهداً على ما شهدته هذه البلاد من جنون أعمى لم يُبقِ ولم يذر.

كل منزل هنا، كل حائط يحمل ذاكرة ألمٍ تكفي لآلاف المجلدات من المرارة والسخرية من الحلم أيضاً.

كل حي هو (غرنيكا) جديدة تحتاج إلى ألف بيكاسو ليوثق (حيونة الإنسان) وانفلات غرائز العدوان لديه.

في اللغة الانكليزية تترجم لفظة وطن إلى home) ) والكلمة نفسها تعني (منزل) أو (بيت)..

هنا لديناhome) ) للبيع، وهو غير منزل المرأة الجميلة جوليا، إنه ما قال عنه المتنبي العظيم:

لك يا منازل في القلوب منازل

والآن، هل ثمة من يصدق أن هناك ما يمكن أن يباع بعد؟!

لم يبق ما يباع يا سادتي، الأرواح لا تباع….

العدد 1107 - 22/5/2024