نساء من سورية: نجاح ساعاتي.. قامة سورية لاينساها التاريخ

من يقلب صفحات سجل النهضة الحديثة في سورية المجيدة، يستوقفه اسم مثقفة سورية وناشطة اجتماعية، توزع نشاطها على العديد من المجالات الإنسانية والوطنية، مثّلت صوت حق المرأة السورية في المحافل العربية والدولية ووصلت إلى الريادة في ميادين الصيدلة والاقتصاد، والتأليف والترجمة، إضافة إلى غنى أعمالها التطوعية والخيرية، هي الدكتورة نجاح ساعاتي.

 في مدينة حمص أبصرت عينا نجاح ساعاتي النور للمرة الأولى عام 1924 لأسرة وطنية تشرّبت حب الوطن، والدها أديب ساعاتي، صاحب جريدتي (فتى الشرق)، و(فتى العرب) اللتين أغلقهما الفرنسيون بسبب معارضتهما للاحتلال.

التحقت نجاح ساعاتي بمدرسة الروم الأرثوذكسية وحصلت على شهادة السرتفيكا الفرنسية، ثم انتقلت إلى مدرسة الراهبات لتنال شهادتي (البروفيه) الفرنسية، و(البروفيه) السورية، ثم انتقلت إلى مدرسة التجهيز بدمشق، التي حصلت فيها على شهادتي البكالوريا العلمي والفلسفة. دخلت الجامعة السورية ودرست الصيدلة وحازت على شهادتها العليا بتفوق في 15 تشرين الأول عام 1949 وكانت بذلك أول سيدة سورية تتخرج في هذا الاختصاص الذي بقي حكراً على الرجال حتى تخرجها، وأول امرأة تفتح صيدلية وتديرها بنفسها في مدينة حمص، في هذه الأثناء انتسبت إلى الهلال الأحمر السوري وانتُخبت عضواً في مكتبه الإداري ومسؤولة المحاسبة فيه، في وقت لم تكن مهنة الصيدلة قد نُظّمت، إلا بعد حين، إذ تشكلت أول نقابة للصيادلة في حمص وانتُخبت عضوة فيها، ثم انتُخبت لموقع أمين سر النقابة في الدورة التالية. وكم كان ذلك غريباً وسابقة في مجتمع لم يعتد على عمل المرأة ومشاركتها في النقابات المهنية الحديثة العهد، لم تكتف بذلك بل ثابرت على التحصيل في مجال علمي آخر، فحازت على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي من موسكو، لتكون أيضاً أول امرأة تتخصص بهذا المجال وكان موضوع أطروحتها (خصائص تطور الرأسمال الوطني في سورية).

لم تقتصر نشاطاتها على الجانب العلمي، بل لعبت أدواراً متميزة في مجالات عديدة من بينها المشاركة في أنشطة الحركات النسائية العربية والعالمية، وقد مثّلت سورية في العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية التي تنظمها اليونسكو والاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، وكانت عضواً في لجنة الأمهات العالميات الدائمة. قامت بالعديد من الأنشطة الفاعلة من خلال عضويتها في الاتحاد العام النسائي السوري واختيرت في تلك الفترة عضواً في المجلس الوطني لقيادة الثورة من بين ثماني نساء سوريات، في عام 1966كانت عضواً في المجلس النيابي السوري (المجلس الوطني لقادة الثورة الموسع في سورية) وفي أواخر عام 1987عمد حزب البعث العربي الاشتراكي لتوسيع عمل الجبهة بضم العمل النسائي إلى السياسي، وهكذا دُعيت من لجنة الحزب الشيوعي للانتساب إلى الاتحاد النسائي السوري وعملت مع الزميلات في الاتحاد، كما كان لها دورها البارز في فعاليات الجمعيات الخيرية، ومن أبرزها تأسيس مستوصف طبي كان يقدم الأدوية والعلاج للطبقات الكادحة مجاناً، كما كان لها بصمتها المتميزة في مجال الثقافة، فأغنت المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات القيمة زادت على الخمسة عشركتاباً في مواضيع إنسانية واجتماعية، وأسست مع زوجها (د. بدر الدين السباعي) عام 1956دار (ابن الوليد) للنشر في حمص، وقامت بعد ذلك بتأسيس دار (الجماهير الشعبية للنشر) في دمشق.

وتقديراً لخدماتها وجهودها الخيرة، جرى تكريمها في مناسبات عديدة قدمت لها فيها شهادات التقدير والثناء، واختيرت ضمن مجموعة من النساء الرائدات في سورية، قدمّن المثل في العمل المخلص لتقدم الوطن، وناضلن من أجل تطوره وسعادته اعترافاً بأن الوطن لا ينسى أبناءه العاملين الأوفياء في سائر مجالات العمل الوطني والاجتماعي، بذلك استحقت أن تكون قامة وطنية متميزة ونموذجاً فريداً للمرأة السورية يحتذى به .

العدد 1107 - 22/5/2024