الوجع حد الموت في استلهام استثنائية القصيدة!

في زمن الوجع والفاجعة، وارتباك العين فيما تعيشه من ارتباك المرحلة، وما تمخض عنها من مآسٍ دامية، ومشاهد ضارية توشك أن تصل إلى حد الجنون الآثم، الذي تجاوز في فوضاه العارمة، ما لا يخطر في احتمالات الظنون، بين ما هو قائم، وواقع ضمن حقائق اليقين، التي تؤكد أن ما يجري يجري بحقيقته المطلقة، وما نراه نراه يقيناً بالعين المجردة، من خلال أمور وأحداث كانت تنسجها يد الغيب بضراوة من غيابها البعيد، وعندما تفجر انهمارها الضاري العاتي كالزلزال، فاجأتنا المباغتة الموجعة، واكتسحتنا بجنونها العاصف، فإذا بنا، في خضم ما يجري، سنابل طرية العود، لم يكتمل، بعد، نموّها الحياتي والوجودي، ولم تستكمل، بعد، نهضوها الراسخ لتثبت قدميها على حافة الكون الإنساني، طامعة بجزء من الصدارة المتقدمة احتذاء بكينونات أخرى متقدمة تجاوزت فلكنا الكوني باتجاه الكواكب والمجرات القصية، متجاوزة المعقول واللامعقول الكوني بحثاً وتقنية. وكنا نحن، وما زلنا، تلك السنابل الطرية الغضة، ما إن هبت العاصفة حتى كسرتنا على وجع انبهارنا مما آل حالنا إليه! في مطلع ألفية ثالثة، يتجاوز البشر حدود الوجود، ونحن نمضي سراعاً باتجاه الهاوية، والخراب، والمستحيل، وكأننا لا شيء مطلقاً، في عالم زاخر بالتقنيات، والاختراعات، والاكتشافات المذهلة، بينما عالمنا المتناثر بجغرافيته الممزقة، وخرائطه المبعثرة هنا وهناك، كما نحن، في مواجع الدم والشتات والأسى، صنوفاً من العثرات الضالة، هكذا تبدو، وكأننا خارج الحضارات كلها، وخارج التاريخ، وجغرافية الزمان والمكان! شتات قبلي ينهض على ذكريات الطلول، يصحو، ويغفو، ويغيب في حال من الوجع المؤرق الدامي، لا يكترث بما يجري، ويرقب الأحداث المستحيلة بعين انكسر ضياؤها، ذاك الوميض الزجاجي المتناثر حول مشاهد خارقة، ما اعتدنا عليها، ولا تصوّرْنا أن تباغتنا، ونحن في أشد حالات التشرذم، والعبثية، والهذيان والجنون المارق؟!

 في حال كهذا: كيف نفكر بالشعر، بالحياة، بابتسامات عابرة تنسينا، للحظات، ما نحن فيه! بخلوّ الذهن إلا من الشعر والسمر والذكريات، ومواقد الحنين والتذكر، ومساءات الغناء والعتابا والأوف! أية ذكريات وغناء، وعتابات ومواقد ومساءات، وذكريات دافئة طرية كأعواد القصب الطرية يوقد عليها، فينبعث بخور عطرها ليسكر سمارها!

أي من هذه الأشياء، ونحن نعيش أسوأ الخراب التاريخي وجوداً، وجغرافية، وانكساراً، وضبابية رمادية قاتمة لم تترك لنا إلا اللون الأسود في ضراوة عتمته، لنحث فيه عن وميض ما، فلا نرى إلا ظلمات بعضها فوق بعض، نهرب من الخراب إلى الشعر، إلى نغمة تهزنا لنحيا، ثم نخلد إلى معناه الموجع الأرق، فنراه، أيضاً غارقاً، في أساه، وأرقه، وفيضه الأرجواني الحزين!

العدد 1104 - 24/4/2024