زوج الست.. أو الحفر في الظلام

التفوق أو النجاح في العمل أو الدراسة ملكة ونتاج لجهد ووقت يعطيه الإنسان سواء كان ذكراً أم أنثى، وليس مرتبطاً بجنس معين أو بأمة معينة، فأبناء أكثر المجتمعات تخلفاً يمكن أن يبدعوا ويتفوقوا على أبناء المجتمعات المتقدمة، فيما لو أتيحت لهم الظروف الموضوعية لتطوير مهاراتهم ومعارفهم واستثمارها.

وفي تقسيم المجتمع بين امرأة ورجل وربط النجاح والتفوق بجنس، وحجب احتمال حصوله لدى فئة دون أخرى، فيه الكثير من الحيف وضعف الرؤية.

ومعلوم أن سبب تراجع قدرات المرأة وشخصيتها هو تاريخ طويل من العسف والإلغاء، والدليل أنها ما إن أتيح لها الظرف الطبيعي والمناسب لإبراز إمكاناتها ومواهبها خلال التاريخ التالي لعصر النهضة في أوربا حتى أثبتت تفوقها في كثير من المجالات على الرجل.

بل إن كثيراً من الدراسات العلمية اهتمت بكشف جوانب تميز المرأة عن الرجل في قدرتها على التنظيم ودأبها وصبرها، وروح المبادرة لديها، والقدرة على التواصل، والانفتاح والقدرة على الابتكار، والمهارات الاجتماعية وتقديم الدعم، والإدارة المنهجية وتحديد الأهداف، مقارنة بميل الرجال إلى تحقيق كل ما يريدون بأسرع وقت، وبالتالي الوقوع في معضلة غياب التنظيم ونفاد صبرهم تجاه أي مشكلة تعترضهم.

إذ أفادت دراسة حديثة قامت بها جامعة (بنسلفانيا) بأن (عقل الرجل مكون من صناديق محكمة الإغلاق وغير مختلطة، مثلاً: صندوق للسيارة، آخر للبيت، وآخر للأهل، وللعمل، وللأصدقاء، للمقهى… الخ، وإن أراد الرجل شيئًا فإنه يذهب إلى الصندوق المعني ويفتحه ويركّز فيه، ولا يرى شيئاً خارجه، ثم يغلقه حين ينتهي بإحكام، ليشرع في فتح صندوق آخر… وهكذا. والتفسير-كما ترى الدراسة- أن الرجل حينما يكون في عمله لا ينشغل كثيراً بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد، وإن اندمج في مشاهدة مباراة لا يهتم بالأكل على النار، فيحترق.

أما عقل المرأة فهو مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة النشطة، والمتصلة جميعاً في الوقت نفسه، مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت؛ حركة نشاط لا ينقطع، بمعنى أن المرأة يمكنها أن تطبخ وترضع صغيرها وتتحدث بالتليفون في وقت واحد، ويستحيل على الرجل ذلك، والأخطر أن عقل المرأة الشبكي يعمل دائماً دون توقف حتى أثناء النوم، ولذلك كانت أحلامها أكثر تفصيلًا من أحلام الرجل).

لكن العقلية الذكورية السائدة لدى الكثير من رجالنا تأبى الاعتراف بأي تفوق للمرأة على الرجل في مجال العمل أو الدراسة أو الإبداع الفني والثقافي، فيقوم الرجل حينذاك إما باستخدام سلطته الذكورية التي يمنحها له الدين والمجتمع من أجل فرملة نجاح المرأة التي (تخصه)، زوجة أو أختاً أو حتى أماً، أو باستخدام الماكينة الاجتماعية الجاهزة لتلقف الأقاويل والشائعات عن المرأة الناجحة والإساءة إلى أخلاقها وسمعتها، لأن المجتمع ينسى كل ما تحققه المرأة حين يأتيه ما يشتهيه وينتظره من قصص تتعلق بحياتها الخاصة وعلاقاتها ورغباتها وهواياتها.

وبعض الرجال يتقبل على مضض تميّز زوجته عنه وتفوقها عليه، كأن تكون مديرته في العمل مثلاً، أو تكون في منصب أعلى مما هو فيه ويقوم الناس بمراجعتها كثيراً والتزلف إليها أحياناً لقضاء حاجاتهم، فيشعر هو بعقدة النقص هذه وتستفيق ذكوريته الشرقية، لكنه يكبتها ويقبل بالحالة على مضض، إلى أن يسمع من المحيط عبارات الاستهجان والسخرية التي تأتي على شكل عبارات موروثة اعتمدت حتى في أعمال درامية، مثل (جوز الست)، حينئذٍ يهرب من واقعه إما بتطويعها وإعادتها إلى حظيرة الزوجة المطيعة القنوعة محدودة الأفق إن قبلت، وإن لم تقبل يلجأ إلى الطلاق أو الهجر ويتزوج من امرأة أخرى هي ابنة هذه المفاهيم الراسخة التي ترى في الرجل سيداً مطلقاً ولا يجوز لزوجته أن تتميز عليه في شيء، ليعيشا في سبات ونبات، فيما المرأة الأخرى المُجدّة المجتهدة المتفوقة تدفع ثمن تميزها طلاقاً وهجراً وإشاعات.

هي معضلة شرقنا الممتلئ بالخرافات والأساطير والأعراف البائدة، ولا حل لها إلّا بتوعية المجتمع وقوننة المساواة حيث لا ينفع الوعي، وذلك بقانون مدني وضعي يترك شرائع السماء للسماء.

ولا يجوز تعميم الحالة، إذ يبقى هناك رجال تحدّوا نظرة المجتمع السلبية إلى المرأة المتفوقة على زوجها، وتقبلوا المسألة كحالة طبيعية تدعو إلى الفخر والاعتزاز بمواهب وإمكانات شريكة حياته، وهم قلائل طبعاً لكنهم موجودون على مبدأ: (إذا خليت بليت).

العدد 1107 - 22/5/2024