المرأة السورية والنزاعات المسلحة

 تبقى المرأة هي المستهدفة الأضعف أثناء نشوب الحروب والنزاعات المسلحة، وتتلقى الصدمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وتقع على عاتقها مسؤوليات كثيرة تبين لنا مدى حاجتها إلى المساعدة والرعاية لتجعلها أكثر قوة في مواجهة ما يمكن أن تتعرض له، هي وأسرتها، من خطر التشرد والنزوح واللجوء والضياع والموت.

إن ضآلة دور المرأة في القرار السياسي المتعلق بإعلان الحرب وعدم اشتراكها في الغالب المطلق من الحالات في هذا القرار بكل أشكاله، لا يعني أنها لا تتحمل نتائج الدمار والموت والحياة غير اللائقة وغير الإنسانية عند نشوب هذه الحرب.. فوجود النساء في مواقع صنع القرار قد يساهم في تجنب النزاع والتخفيف من حدته، وهن أحسن من يقدم مساهمات جدية، ولكن غير ملحوظة في تعزيز ثقافة أهمية وضرورة استتباب السلام في كل مكان، لأن لهن المصلحة الحقيقية في سلامة عائلاتهن ومجتمعاتهن.

استأثر موضوع المرأة والنزاعات المسلحة باهتمام خاص في سورية وفي العالم العربي، بالنظر إلى حجم الضحايا والعنف والتوتر الذي طبع حياة الشعوب العربية.. فآلام الحرب تنساب دون توقف، آلام ملموسة، دلالاتها مادية، جثث وتشويه وضحايا وحرائق وتدمير وخراب وتشرد.

وإذا كان مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة هو من أهم المبادئ التي يقوم عليها قانون حقوق الإنسان، فإن القانون الدولي الإنساني لا يشكل في هذا المجال استثناء. إنه فرع من فروع القانون الدولي العام يهدف إلى حماية الأشخاص المتضررين من النزاع المسلح، وبمعنى آخر تسوية للمشكلات الناجمة عن هذه النزاعات.

من هنا تتمثل أهم بنود القانون الدولي الإنساني الراهن في اتفاقيات جنيف الأربع لحماية ضحايا الحرب الصادرة في 12 آب عام 1949 والتي تلتزم بها اليوم أكثر من 200 دولة، وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977 المصادر الأساسية له. (كما السجناء).. ومنها اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وتتضمن مبادئ وقيماً راسخة مشتركة في تراث الإنسانية.

إن القانون الدولي هو الذين ينظم العلاقات الدولية أثناء الحروب، غير أن هناك إشكالية في تطبيق القانون أهمها هو أن الدول هي التي لم تعدل قوانينها الوطنية، بحيث تتماشى مع القانون الدولي الذي وفّر للمرأة حماية عامة مشتركة، والأهم في هذا القانون هو عدم إسقاطه جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بالتقادم، ومن هنا ضرورة إنشاء لجنة وطنية لنشر قواعد القانون الدولي على مختلف الصعد.

فهذا القانون جاء ليخفف من آلام نتائج الحروب المأسوية، ويشكل هذا الهدف السبب الأساسي لوجوده. ويبدو للأسف أن الإنسان سيظل بحاجة إلى هذا القانون لمدة قد تطول، وما يحصل في العالم وفي بلادنا العربية وفي سورية اليوم هو خير دليل على ذلك.

وأهم ما تواجهه المرأة السورية منذ بدايات الأزمة السورية:

1- النزوح الكبير الذي جرى من منطقة ساخنة إلى أخرى أكثر هدوءاً، بعد تدمير المنازل وفقدان الأمن وغياب الرجال وانهيار آليات الدعم التقليدي.

2- اللجوء إلى البلدان المجاورة والإقامة في مخيمات في تركيا والأردن ولبنان والعراق، حيث واجه اللاجئون صعوبات كبيرة لا تحصى في مخيم الزعتري(الأردن)، إذ تعرضت النساء والفتيات لعنف شديد تمثل في الاغتصاب والعبودية الجنسية وزواج القاصرات.

3- اللجوء إلى البلدان الأوربية والأمريكية وأستراليا، وكان محفوفاً دائماً بخطر الموت في كل الحالات، مئات اللاجئين تعرضوا للموت براً وبحراً والمستقبل مجهول تحدده مصالح الدول المعنية.

4- وفي الداخل فقدان الأشخاص وما يترتب على ذلك من آلام للعائلة عامة والأم خاصة، بسبب بحثها الدائم في محاولة تقصي أخبار المفقودين، دون معرفة مكانهم والأسباب التي دعت لذلك.

5- الاحتجاز القسري الذي يعانيه الرجال والنساء على السواء، ويكون تأثيره على المرأة أكثر، دون أية دلائل جدية عن أسباب الاعتقال أو التوقيف ودون علم الأهل بأمكنة وجودهم.

6- صعوبة الحصول على الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض وظهور الإعاقات، والافتقار إلى سبل كفالة تبقيهم على قيد الحياة، خاصة الجرحى والمرضى.

7- صعوبة الحصول على الغذاء وغلائه من أجل عيش كريم.

8- تقنين الماء والكهرباء وانعدامهما كلياً في بعض المناطق، مما يؤثر سلباً على أوضاع العائلة.

9- المعتقلون السياسيون الذين مضى على اعتقالهم سنوات، وخاصة الشباب منهم، ألم يحن الوقت للإفراج عنهم أو إحالتهم إلى المحاكمة والعودة إلى أسرتهم؟!

أسوأ ما تواجهه المرأة السورية هو في المناطق التي تسيطر عليها داعش .. فهذا القطيع المتوحش الفالت من الجحيم لا يمكن أن نحدد الجرائم التي ارتكبها ليس بحق الشعب السوري فقط بل خاصة ما يتعلق بالمرأة السورية، التي حاول إرجاعها إلى عصر العبودية- العنف الجنسي بكل أشكاله، الاغتصاب والإكراه على الدعارة، الحمل القسري من (المجاهدين)، بيع المرأة وشرائها أو تقديمها لإغراء (المجاهدين)، زواج الطفلات الصغيرات من وحوش كاسرة.. إلخ، وغيرها من الوسائل والأساليب الإجرامية التي يندى لها جبين الإنسانية خجلاً، والتي ظهرت على نحو متزايد في السنوات الأخيرة في المناطق التي تسيطر عليها عصابات داعش الإرهابية.

وأخيراً يمكن القول إن شعبنا كله يواجه أعباء ثقيلة بسبب النزاعات المسلحة التي تمر بها البلاد وما تجلبه من دمار على شعبنا بكل الفئات الاجتماعية.. ومن هنا أهمية رفع معنويات المرأة وثقتها بنفسها على اعتبار أنها تشكل عمق المجتمع، وهي الحاجز الأهم في مواجهة الحروب وآثارها.. وأن يكون للمرأة دور أكبر في صنع القرار، ذلك أن النزاعات تُصنع قرارتها بعيداً عن المرأة، فلتكن فاعلة من أجل وضع استراتيجية تستند إلى ثلاث مراحل، لاحتواء الآثار الضارة للنزاعات المسلحة:

1- نشر المعرفة بالقوانين.

2- نشر القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة.

3- دمج القانون الدولي الإنساني في المناهج الرسمية والقانونية والتربوية والتعليمية في سورية.

ونؤكد أن المجتمعات كلها تعاني من عواقب النزاعات المسلحة والإرهاب، إلا أن النساء والفتيات يتعرضن للضرر بصفة خاصة.

إن تمكين المرأة داخل المجتمع يعتبر ركيزة أساسية لتقدمه، وتطوير واقع المرأة وتحرير طاقاتها لا يمكن تحقيقه دون وجود منظومة من التشريعات القائمة على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وإدماج قضايا المرأة في أولويات خطط وبرامج التنمية. ولابد من توعية المجتمع بقضايا المرأة وقدراتها التي تخولها المشاركة في صنع القرار على مختلف المستويات، بما يعزز دورها الإيجابي في الأسرة والمجتمع، وهذا لا يتعمق إلا في وطن ديمقراطي تعددي علماني.

وإن منحى المجتمع الدولي هو أن يكون للمرأة دور أكبر في صنع القرارات، وليكن شعارنا في سورية (لنناضل من أجل سلم وطيد ودائم) وأن تكون المرأة السورية عنوانه، وتحية لنسائنا في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.

العدد 1104 - 24/4/2024