مرض وليس خُرافة

يُقال: (وراء كل رجل عظيم امرأة)!

فإن كانت هذه الأنثى هي السند والعون، واستطاعت أن تصير جيشاً لك، فلِمَ لا تجد هذه الأنثى من يسند طموحها؟ ولِمَ تُفضح هوية كل فتاة قوية الشخصية وثابتة الكيان ليكون شرفها مُباحاً للألسن؟ لِمَ تُهدر طاقاتها وراء ستارة (شهادتك ستزين جدران المطبخ، عريسك أحقّ بسنين عمرك)!

ولو أن باب الأسئلة يُفتح أمامي لأحكي عمّا يجول في خاطري من غصّات، ما انتهيت حتى بعدة مقالات. المشكلة لا تكمن في استنباط الخلل والصراخ لنجدته، بل في عدم وجود مُغيث ممّن صمّوا آذانهم وغضوا البصر. اليوم هناك واقع مريض يفرض نفسه عند بعض الأشخاص، بالتقليل من قيمة إنجاز المرأة والتعالي عن سماع بوحها. صحيح أننا تطورنا عن جاهلية في وأدها ودفنها تحت التراب، لكننا صرنا نستعبدها وندفنها حيّة في الحياة، أيعقل هذا؟

كم أخجل من مُسمّى مجتمع متطور عندما تمرُّ بي حالات لإناث قُصَّت جوانحهن لأنهن (شرف العائلة)، ولأن عليها كل التعويل في الحفاظ على السجل المشرف، هذا جانب. أما على صعيد آخر فهنالك العديد من الإناث ممّن فَككن اللجام عن مكنوناتهن، فطارت أفكارهن حرة بلا قيد ولا حكم، ورحن يخْطُطن أسطورتهن الشخصية، ويبنين ذواتهن حتى تستطيع كلٌّ منهن الوقوف دعامة لهذا المجتمع، فكانت الطامة الكبرى لشريكها حين لم تحمله المعطيات التي يراها مع إرثه المجتمعي وكيان رجولته، فتتملكه حالة من الاضطراب النفسي أو الاكتئاب وما من حل إلاّ الحرب على نجاح كان السبب في كشف نقائصه. فمنهم من يضعها أمام خيار البقاء معه أو مع حلمها، وذلك الذي يُشرّع مخالبه ليشوّه صورتها، أو يختار الجانب النفسي فيحاول خنقها بالتقليل من شأنها وحرمانها القسري من متابعة المسيرة، ولو سمحت له الفرصة بإيجاد شريكة لا تفقه من ذاتها إلاّ الخضوع لراح يجري وراءها لتصبح ملكه، فيبسط سلطانه عليها، ليُحسُّ بقيمته ورجولته الواهية وينزع عن كيانه ما تملكه من عقد مع الأولى.

فهل نجاح الشريكة الأنثى سيدمّر كيانك!؟ لمَ لا تكون شريكها في النجاح أيضاً؟ هم قلّة من استطاعوا فهم الفكرة وشيّدوا لملكاتهم حصوناً وتوّجوهن بمقام يسمو بهن ويضاهي أهميته ووجودهن ككيان بشري.

ويبقى الحديث عن هؤلاء المرضى ليس خرافة أو أنهم قلّة قليلة في المجتمع، إنما هم يحتلون حيّزاً كبيراً من فئات المجتمع، حتى أن المركز القومي للبحث الاجتماعي في القاهرة أشار إلى هذه الفئة من الرجال الذين يصابون بالاكتئاب لمجرد نجاح شريكتهم، والمصيبة أن نسبتهم مرتفعة والقضية موجودة ومنتشرة في مختلف مجتمعاتنا وما من حل إلاّ التربية السليمة للأجيال، وبقاء السعي متواصلاً حتى تصل المرأة إلى المكانة التي تستحق في المجتمع، وفهم معطيات العصر وتطبيق القيم على الواقع، فالأقنعة والشعارات تسقط عند أول نزال على حلبة الواقع الاجتماعي.

العدد 1107 - 22/5/2024