العلاقة الصحيَّة بين الأهل والمراهق

 المراهقة مرحلة من أهم المراحل التي يمرُّ بها الشباب، لأنها تحدد مصائرهم، وتوجه طريقهم نحو مستقبل بنّاء وهدف وضّاء، يسعى إليه، كل إنسان. يقول الكاتب اللبناني (كوستي بندلي): (المراهقة هي تلك المرحلة الحاسمة التي ينبغي على الطفل فيها أن ينسلخ عن محيط العائلة المحدود، الدافئ، الواقي، ليدخل العالم الواسع، ويجابه قضاياه ومشكلاته بنفسه، ويسهم في بناء الوطن وتطويره).

ويتفاوت الناس في فهمهم للمراهقة، فهناك فريق يراها ذلك التحول الفيزيولوجي والسيكولوجي للكائن البشري الذي يفرز ارتباكاً في فهم حالة الانتقال من الطفولة إلى الشباب. وكما هو معلوم، الطفولة ذات ارتباط لصيق بالأهل، بينما الشباب يسعى للتحرر والانعتاق من مراقبة الأهل، وهذا الفريق لا يولي هذه الفترة أهمية كبيرة ظنَّاً منه أن الطفل قادر على تجاوزها بمفرده.

وهناك فريق يعتبر هذه المرحلة مفصلاً حساساً، في حياة الطفل يجب أن يعنى بها عناية فائقة كي لا يتربّى الطفل على خطأ. ففي هذه المرحلة تظهر ثقة الطفل بنفسه، وتقوَى شخصيته، وترتفع معنوياته، فتزيده معرفة بالحياة، وتعطيه دفعاً لفرض وجوده في المجتمع. وهذا لا يجري إلا من خلال التعامل الخلاّق والبنّاء بين الأهل وأولادهم.

مع التحول النفسي والجسدي للمراهق يصطدم بنـزعتين تتنازعانه

أولاهما- هي تعلق المراهقين بآبائهم وأمهاتهم إذ يعيشون صراعاً نفسياً وجسدياً قد يتحول إلى مشكلة في حياتهم إذا لم تعالج هذه الأمور بالحوار والمساعدة.

ثانيهما: سعي المراهقين إلى الانسلاخ عن الواقع الأسري وهذا ما يحملهم أحياناً على الثورة والتمرد والعصيان أو القبول والرضوخ أحياناً أخرى، وأيضاً هذا يعود إلى طريقة تعامل الأهل مع أولادهم وكيفية تعاطيهم معهم.

هنا لا بد من القول أن الطرق كثيرة إذا أردنا جيلا جيداً وواعياً، وبرأيي، أنَّ الأسلوب الحواري البنّاء بين الأهل والولد هو الأفضل لكثرة الحسنات الموجودة فيه. فهو يمثل الديمقراطية والحرية ويحمي حقوق الطفل والمراهق ويجنبه من المخاطر التي تواجهه مع أهله. فالأهل هنا يتركون أولادهم يواجهون الحياة ويتحملون أخطاءهم.

وأعتقد أيضاً أنّ على الأهل أن يتفهموا وضع أولادهم خاصة إذا كانوا في سن المراهقة وعليهم أن يساعدوهم على التخلص من المشاكل والمصائب، وحلها دون المبالغة في التدخل في حياتهم. فالمراهق يعي المسؤوليات المترتبة عليه ويعرف ما يقوم به. لذلك على الأهل أن يتركوهم يشقون طريق حياتهم بأنفسهم لكي يبنوا شخصياتهم بأنفسهم لا أن يُمسخوا وينقادوا انقياداً أهوج.

وصدق منير وهبة إذ يقول: (ثق بنفسك وثوقاً تاماً، وقدِّر مركزَك تقديراً لنفسِك وحكمِك واعتقادِك على تفوقك وعظمتك، ولا تكترث لما يخصّونك به من ثناء أو ما يوجهونه إليك من لوم أو تأنيب أو تقريع).

العدد 1105 - 01/5/2024