الأمير يحيى الشهابي..أمير الإذاعيين

 ولد الأمير يحيى الشهابي في قلعة الشهابيين براشيا الوادي في لبنان عام ،1917 وهو من أمراء الأسرة الشهابية التي حكمت حوران ووادي التيم وجبل لبنان، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسةٍ أنشأها رجل يوناني، يتقن الفرنسية والعربية من (حارة الديب) التي قضى فيها طفولته.

عام 1925 انتقلت أسرته إلى دمشق، حيث أكمل تعليمه في مدرستي الفرير واللاييك، ونال شهادة الثانوية – الفرع الأدبي، وإجازة في الترجمة من الفرنسية إلى العربية ومن العربية إلى الفرنسية.

بدأ حياته العملية معلماً في المدرسة الأديكية في القنيطرة، ثم انتقل للتدريس في جوبر، ثم مدينة دمشق، وفي تلك الفترة بدأ الشهابي نشاطاته الأدبية، فصدر له ديوان (السراب) عام ،1935 وديوان (شهابيات) عام ،1936 كما صدر له كتيب يحمل عنوان (ذكريات معلم في قرية)، وبعد ذلك بدأ تدريس العربية في مدارس للأرمن.

في عام 1936 أيضاً انتقل الشهابي إلى العمل الإذاعي، إذ أقيم في مدرسة التجهيز الأولى معرض للصناعات الوطنية، وأنشئت في هذا المعرض إذاعة محلية كان يعمل فيها الأستاذ نشأت التغلبي أول إذاعي عرفته سورية، وفيها جرب الأستاذ يحيى الشهابي صوته في الإعلانات ونجح نجاحاً باهراً، وفي عام 1941 أنشئت إذاعة صغيرة بقوة خمسة كيلو واط في ساحة النجمة في دمشق تبث برامجها باللغة العربية عدا نشرات الأخبار، إذ كانت بالفرنسية والإنكليزية، وكانت تذيع أخبار معارك الحرب العالمية آنذاك، وكان التغلبي والشهابي المسؤولين الوحيدين عن الإذاعة، وخلال العدوان الفرنسي على دمشق عام 1945 قاما بتعطيلها وتحطيم بعض أجهزتها ثم الهرب، فحكم المفوض السامي على الشهابي بالإعدام إلا أن الحكم لم ينفذ بسبب الاستقلال وخروج المستعمر الفرنسي وبطلان أحكامه.

وفي السابع عشر من نيسان عام 1946 افتتح الشهابي الإذاعة قائلاً: (أيها الشعب الكريم، يا شعب البطولات والتضحية، هذه إذاعتكم، إذاعة الجمهورية السورية من دمشق، إذاعة القومية العربية، إذاعة كل العرب، تنقل صوتها إليك في أعيادك، الإذاعة السورية في دمشق تتحدث إليك)، وبهذا سجل الشهابي في تاريخ الإذاعة السورية أول صوت إذاعي في إذاعة دمشق، وأول من أعلن استقلال سورية من الإذاعة، وأول من سمّي مديراً لبرامج الإذاعة، وهو من قام بالتغطية الإذاعية لأول عرض عسكري بعد جلاء المستعمر الفرنسي عام 1946 وكان في شارع القوتلي، ولم تكن هنالك تقنيات تساعده في أداء واجبه فاستعار سيارة شحن لأحد أقاربه ووقف على ظهرها كي يشاهد العرض وينقل وقائعه.

وفي العام نفسه أنشئ استديو للإذاعة في دائرة البرق والبريد التي أتبعت الإذاعة لها، وبعد ذلك أنشئت الإذاعة الوطنية في منطقة السبع بحرات، وكانت مؤلفة من استوديوهين أحدهما للأخبار والآخر للموسيقا والتمثيليات، وبدأ البث في شباط عام ،1947 كان الأمير الأستاذ يحيى الشهابي أول من قال (هنا دمشق) معلناً عن انطلاقة إذاعة دمشق الوطنية، وبقيت العبارة إلى يومنا هذا تصدح من إذاعتنا، وفي عام 1948 عُيّن أميناً لمكتبة دار الآثار ووضع معجم لمصطلحات الآثار بالعربية والفرنسية.

كما كان الشهابي أول من أذاع البلاغ رقم واحد زمن الانقلابات العسكرية السورية، مخفوراً بعربة عسكرية. ففي صبيحة أول انقلاب عسكري وقع في سورية عام 1949 قام به حسني الزعيم أرسل إليه الأخير عدداً من الضباط إلى منزله، فدخلوا عليه شاهرين مسدساتهم واقتادوه إلى الإذاعة بقوة السلاح، وأعطوه البلاغ رقم واحد وطلبوا منه قراءته من إذاعة دمشق.

وفي عام 1950 نُقلت الإذاعة إلى مبنى خاص في شارع النصر واستقدمت لها أجهزة إرسال أقوى، وأنشئت عدة محطات في بعض المحافظات وكان الأمير حينذاك مديراً عاماً لها، وفي زمن إدارته للإذاعة فتحت أبوابها للمواهب الإذاعية، فكان منهم بهجت العلبي، والفني الذي أصبح ملحناً غالب طيفور، وكان أول صوت نسائي للمذيعة عبلة الخوري حين انتسبت إليها في بداياتها، إضافة إلى صباح قباني، وتوفيق حسن وخلدون المالح وفؤاد شحادة وعبد الهادي مبارك وسهيل الصغير وسامي جانو، كما عمل فيها عصام حماد وزوجته فاطمة البديري وعواطف الحفار وسعدي بصوص..

اشتهر الشهابي في برنامجه (دوحة الشعر) كما أخرج تمثيلية درامية إذاعية بعنوان (في الطريق إلى دير ياسين) وفي الرابع من شباط عام ،1953 كانت الانطلاقة الأولى للسيدة فيروز من إذاعة دمشق في أغنيتها الشهيرة (عتاب)، وكان للأمير الدور الكبير في احتضان الرحابنة وإطلاقهم في العالم العربي.

انتقل بعد ذلك للعمل مديراً لبرامج قسم الشرق الأوسط، في إذاعة الأمم المتحدة في نيويورك، حيث حصل على شهادة في العمل الإذاعي من جامعة كولومبيا، ثم عين مديراً عاماً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، فأشرف على توسيع قوة الإذاعة بإحداث محطات تقوية ووصل في كل من حمص وطرطوس ودير الزور ودمشق، كما أشرف على إنشاء التلفزيون عام 1960 إدارياً، ومراقباً في أيامه الأولى، عُيّن بعد ذلك مديراً عاماً لتفتيش وزارة الإعلام والمؤسسات التابعة لها، وفي العام نفسه أصبح أحد المسؤولين عن تفتيش أربع وزارات هي الخارجية والثقافة والسياحة والإعلام.

عمل محاضراً في كلية الآداب فرع الصحافة، ومحاضراً في المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني، مساهماً في تأهيل الإعلاميين من خلال المحاضرات التي كان يلقيها، كما عمل محرراً في مجلة (النقاد)، ثم تقاعد وانصرف للعمل على مشروع معجم لمصطلحات الإذاعة والتلفزيون بالعربية والفرنسية.

توفي الأمير في دمشق عام 2003 ودفن فيها، وكان بعد تقاعده قد نال أوسمة وميداليات كثيرة.

الإنتاج الشعري

له ديوانان: (السراب) و(الشهابيات) وله قصائد في مصادر دراسته، وقصائد نشرتها صحف ومجلات عصره، خاصة مجلات السياسة الأسبوعية، والصباح في مصر، والمكشوف ببيروت، والوقت بحلب، والجزيرة بدمشق، وله حوارية شعرية بعنوان (مصرع زينب).

الأعمال الأخرى

له مؤلفات عدة، منها: (مذكرات معلم في القرية)، و(معجم المصطلحات الأثرية الفرنسية والعربية)، إضافة إلى مقالات عدة في مجلّتَيْ (الصباح) و(الدنيا) بسورية، وبعض المجلات اللبنانية ببيروت والمهجر.

العدد 1105 - 01/5/2024