عندما تريد التجارة الداخلية تقييد سلع محررة.. ضرورة مراعاة السعر العادل والمراقبة على أرض الواقع

تدرس وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إعادة النظر ببعض السلع المحررة ووضعها ضمن خانة السلع المقيدة، وفق ما صرح به معاون وزير التجارة الداخلية عماد الأصيل. بالطبع قضية تقييد السلع، وإن كانت متأخرة، فهي جيدة من حيث فكرتها، ولكن تطبيقها ليس بالأمر السهل أبداً، وخاصة مع تغير طبيعة السوق الداخلية لدينا من اقتصاد مركزي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، وخضوع الكثير من السلع لمبدأ العرض والطلب.
تقييد بعد التحرير ومراقبة ومحاسبة، عملية يجب أن تُنتهج منذ بداية الأزمة التي تمر على سورية لمنع توفير الظروف المناسبة لتفقيس تجار الأزمات الذين يمارسون نشاطهم دون حسيب حالياً. وإن إلغاء تحرير السلع أي إخضاعها لهامش ربح محدد وفق مؤشرات معينة تحددها الوزارة بناء على بيانات إجازة الاستيراد في حال كانت السلع مستوردة أو من خلال فواتير الإنتاج والنقل وغيرها، يستدعي التدقيق والتحري الجيد، لمعرفة مدى سلامة الفواتير أو إجازات الاستيراد التي يدخلها بعض التجار. كما يجب التنبه إلى أن الفواتير قليلاً ما يتم تداولها بين حلقات الوساطة التجارية، وفي حال تم تداولها فيمكن التلاعب بها لرفع الأسعار، وبالتالي هذا الأمر يتطلب من الجهات الوصائية، أولها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وهيئة الضرائب والرسوم، أن تقف على مدى صحة هذه الفواتير والإجازات.. ولا حل لهذه العقدة سوى الشفافية في التعامل بين مختلف الأطراف، والابتعاد عن المحسوبيات والفساد.
في حقيقة الأمر إن فكرة وضع سلع محررة قيد التقييد، لا تعد فكرة حديثة، بل إن وزارة التجارة الداخلية قامت بها  عندما اتبعت أسلوب إصدار نشرات تأشيرية للأسعار، فقد أصدرت حتى تاريخه 12 نشرة تأشيرية لضبط ارتفاع الأسعار في الأسواق، ونحن لن نتحدث عن مدى فاعلية هذه النشرات، على الرغم من أن معظم الباعة، وخاصة في ريف دمشق والمناطق الريفية، لا يعلمون بها أو عن اسمها شيئاً، ولكن عندما توضع بعض السلع المحررة ضمن حدين (أعلى وأدنى)، فهذا يعني تقييد لها.. وبالطبع التقييد الذي ستقوم به وزارة التجارة الداخلية والذي تدرسه حالياً لبعض السلع سيكون على المبدأ نفسه وبالطريقة نفسها، أي ستضع للسلع حداً أدنى وحداً أعلى من حيث مبيعها للمستهلك.
القضية ليست بالتقييد أو التحرير، بل جلّها بالتنفيذ، فالأسعار لم تنخفض بل على العكس ارتفعت حتى على مستوى الشمعة و الكبريت، وأسعار السلع التأشيرية في حقيقة الأمر ما هي إلا الأسعار الحقيقية في السوق، أي أنها لم تجبر تاجراً على خفض السعر، بل حاكت الأسعار الرائجة في السوق، أي أخذت السعر من التاجر ودونته على الورقة ونشرته بصفة نشرة تأشيرية للأسعار، وقد أدى ذلك إلى عدم قدرة هذه النشرة على كبح ارتفاع الأسعار أو خفضها. في حين يرى البعض أن النشرة ساعدت على استقرار الأسعار، وهذا بالطبع موجود، ولكن ضمن سلع محددة وقليلة.. ونحن بالطبع لا نتكلم من كوكب آخر، بل على علم وتعايش مع الأحداث المؤسفة التي تمر بوطننا  الغالي، وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي. كما أننا على دراية تامة بتأثير العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على اقتصادنا.. نحن لا ننفي أن ارتفاع الأسعار جاء نتيجة مجموعة من العوامل، كارتفاع سعر الصرف، وصعوبة الاستيراد، وصعوبة النقل وتكاليفه المرتفعة، وارتفاع أسعار المواد الأولية، وغيرها من العوامل، كما لا نلوم التاجر لرفع أسعاره نتيجة ارتفاع الكلفة عليه، كما لا نلوم التاجر الذي يقوم بتأمين السوق المحلية من المواد الضرورية، سواء استيراداً أو تصنيعاً بأسعار عادلة. بل نلوم تلك الإجراءات الحكومية المتراخية مع المستغلين والمتلاعبين بقوت المواطنين في شتى السلع والخدمات.. كل ما يهمنا هو أن أي القرار الذي يصدر يجب أن يكون قابلاً للتنفيذ. وفي حال أُدرجت سلع جديدة في خانة التقييد، فيجب على وزارة التجارة الداخلية أن تضع ضمن اعتباراتها الحد الأدنى للأجور بالنسبة للموظفين، عدا فئة ذوي الدخل المحدود وصغار الكسبة، وأن لا ينسوا أن البطالة ارتفعت كثيراً بين المواطنين، إذ أجبرت الأزمة 3 ملايين مواطن على فقدان وظائفهم وفقاً للاتحاد العام لنقابات العمال. كما يجب أن يأخذوا في حسبانهم أن الليرة السورية فقدت مالا يقل عن 35% من قيمتها بعد انخفاض سعرها أمام الدولار.. وبالطبع هذه أرقام مخيفة جداً في حال استعرضنا نتائجها الاقتصادية والاجتماعية على المجتمع. لذا فإن العوامل السابقة يجب أن تضع في حسبان مخططي الاقتصاد، أن لا يفكروا ويخططوا حسب أرقام وإحصائيات قديمة، بل حسب أرقام ووقائع حالية وآنية، وأن تكون الأسعار المدرجة للسلع عادلة، بحيث لا تغبن أحداً، لا التاجر ولا المستهلك، بحيث تحقق هامش الربح الحقيقي للسلعة، وأن تركز أيضاً في الوقت نفسه على توفير السلع في السوق.
 

العدد 1105 - 01/5/2024