ثورة أكتوبر وصورة المستقبل

على وقع نشيد الأممية الثالثة وضربات أقدام الثائرين في الساحة الحمراء، أطل القرن العشرون مثقلاً بتناقضات القرن التاسع عشر، ومشبعاً بمختلف الأفكار والفلسفات، وكانت التحولات المجتمعية من الإقطاعية إلى الرأسمالية قد أرست قواعدها في كثير من البلدان والدول الغربية. واليوم بعد مرور 98 عاماً على انطلاق ثورة السابع من أكتوبر عام 1917 نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام حقيقة مرة، بأن الكيان الوحيد الحامل لتلك الأفكار التي طرحت مطلع القرن الماضي لم يعد موجوداً- لقد كان لانهيار الاتحاد السوفيتي أكبر الأثر على مجمل السياسة العالمية، وعلى الحركة العمالية في مختلف أنحاء العالم، بما حمله من خيبة أمل عميقة تجاه غياب الدولة الوحيدة المدافعة عن حقوق العمال والفلاحين. لم تكن ثورة أكتوبر مجرد حدث عابر في تاريخنا الحديث، كانت زلزالاً بمعنى الكلمة، إذ يمكن القول أنه لأول مرة في تاريخ البشرية عرف النشاط الإنساني ثورة بهذا الزخم، سعت لتقويض سلطة الرأس مال وتكريس سلطة الطبقة العاملة عوضاً عنها، إن مجرد هذا الطرح كان كفيلاً لأن تجد بعد الثورة الصدى الكافي لدى ملايين الناس من مختلف البلدان، وأن تلقى هذا التضامن الكبير من مثقفي ذلك القرن وكتابه وأدبائه. لقد أرست ثورة أكتوبر الخطوط العريضة للخارطة السياسية للعالم، وساهمت مساهمة كبيرة في رسم المسار العام لمختلف التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية التي سادت فيه ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

98 عاماً مرت ولا تزال ثورة أكتوبر مثار جدل كبير، فمع كل ماكتب من نقد أو تشويه أو إدانة للنظام الاشتراكي السابق، فإن هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها ولا إنكارها، وهي أن تجربة اشتراكية واحدة ووحيدة في التاريخ، ورغم كل ما كان يعتريها من عيوب وأخطاء، قد نجحت في الوقوف بوجه الرأسمالية. ونجحت في خلق توازن على الساحة الدولية، حد كثيراً من سيطرة القوى الإمبريالية، وذلك بتأثيرها اللاحق على مصير الشعوب و نضالها ضد الاستعمار المباشر وغير المباشر وبضمنه نضال شعوب منطقتنا. إن تقويض الاتحاد السوفيتي والانقضاض على المنجزات الاشتراكية جاء من خلال تحالف قوى الثورة المضادة التي ظهرت منذ عام 1985 والتي نفذت مشروعها الهدّام بالتعاون والتنسيق مع قوى الثالوث العالمي، مستفيدة من أخطاء التجربة الاشتراكية، وما زالت هذه القوى تنفذ مشروعها التخريبي تحت غطاء جديد ألا وهو الإصلاح الاقتصادي، ونلاحظ أن غياب الاتحاد السوفيتي من المسرح السياسي الدولي هو أكبر جريمة حدثت في العقد الأخير من القرن العشرين فمنذ تفكك هذا الاتحاد عام 1991 وحتى اليوم دخل العالم في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري، الأمر الذي أعطى القوى الإمبريالية الفرصة لفرض هيمنتها على العالم وتطبيق سياساتها دون أي رادع.

إن تجربة ثورة أكتوبر بكل نتائجها وتبعاتها، كان لها بالتأكيد الدور الأكبر في التعبير عن تطلعات جماهير العمال والفلاحين في كل أنحاء العالم، و إن كان مقدراً لهذه التجربة الفشل لأسباب كثيرة، منها ما هو عضوي ومرتبط بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهت، ومنها ما هو خارجي مرتبط بسياسات الدول الرأسمالية وموقفها العدائي من الاتحاد السوفيتي، إلا أن ذلك لا يعني أن مسيرة النضال والتطور ستتوقف، لأن الاستفادة الدائمة من التجارب واستخلاص العبر هو الأساس الذي يجب أن يبني عليه نضال الشعوب.وستبقى الاشتراكية أمل الكادحين في كل أنحاء العالم في تحقيق نظام العدالة الاجتماعية والاقتصادية والحياة الأفضل..

العدد 1105 - 01/5/2024