إيران والمنطقة بعد تنفيذ الاتفاق النووي

مع دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ تكون السياسة الإيرانية قد حققت نجاحاً جديداً ومهماً على الصعيدين الداخلي والخارجي، ذلك أن هذا الاتفاق من شأنه أن يجعل السياسة الداخلية الإيرانية أكثر استقراراً، وأن يدعم الاقتصاد الإيراني ويطوره، كما من شأنه أن يجعل من إيران مشاركاً أساسياً وفاعلاً في الحرب على الإرهاب، وأن يدعم حضورها في حلِّ المشاكل التي تعاني منها المنطقة العربية، ولاسيما مشكلة الإرهاب، وعقب وصوله إلى فيينا أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف السبت 16/1/2016 أن (الاتفاق النووي يدخل حيّز التنفيذ اليوم بالتزامن مع الإعلان عن تقرير الوكالة الدولة للطاقة النووية)، مضيفاً أن (الوقت حان ليضع الجميع يدهم بيد بعض خاصة الشعوب المسلمة لتخليص العالم من شر التطرف والعنف)، مؤكداً أن (إيران مستعدة). ورأى ظريف أن دخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ يعني أن (الوقت حان للتعاون بين الدول المسلمة ضد التطرف). وأشار إلى أن الدول الست (بذلت جهوداً للتوصل إلى الاتفاق النووي)، لافتاً إلى أنه (عليها ألا تضيع ذلك سدى من خلال تحركات غير مدروسة).

وبالرغم من الارتياح الكبير لدى دول المنطقة من دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، إلا أن النظام السعودي يشعر بالقلق من أن إيران تستخدم المباحثات للهروب من العقوبات الدولية بطرقٍ تسمح لطهران بمدّ نفوذها الإقليمي دون التنازل الكامل عن تطلعاتها فيما يخص الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وبخلاف الإسرائيليين، فإن السعوديين حتى اليوم لا يمتلكون ترسانةً نوويةً لردع إيران. ومع ذلك، فإن شخصياتٍ سعوديةً بارزة، كرئيس المخابرات الأسبق الأمير تركي الفيصل، قد صرّحت بأن الرياض قد لا يكون لديها خيارٌ سوى السعي إلى حيازة السلاح النووي في حال ما تجاوزت إيران هذا السقف. من جهة أخرى تبدو السعودية منزعجة بشكل كبير من (تطوّر الصناعة العسكرية الإيرانية) فهذا العنصر هو واحد من أهم أسباب الخلل في التوازن العسكري بين البلدين، إضافة إلى العنصر البشري، والخبرة العسكرية. وتؤكد صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية في تقرير لها: أن دخول الاتفاق النووي مع إيران حيز التنفيذ يستدعي رفع العقوبات عن طهران وإعادة تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي بطرق لا يمكن توقعها في أنحاء الشرق الأوسط. ومقابل التزام إيران بالاتفاق فإن معظم العقوبات الغربية على طهران سيتم رفعها وإرسال عشرات المليارات من الدولارات المجمدة من عائدات النفط الإيراني إلى طهران وفتح الأسواق العالمية أمام مئات الآلاف من براميل النفط الإيرانية. إن وضع الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة دول 5+1 من شأنه أن يخفف من حالة العدائية والتشكيك بين إيران والدول الغربية، كما من شأنه أن يعزّز قنوات الاتصال بين طهران والغرب لإيجاد حلول لأزمات المنطقة العربية، وبالتالي، يدفع نحو ترتيبات أمنية إقليمية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإيرانية والعربية على حد سواء.

وعلى الصعيد الاقتصادي فإن سبعاً وعشرينَ دولة من أصل ثمان وعشرينَ في الاتحاد الأوروبي ستبدأ برفع الحظر الاقتصادي والمالي المفروض على إيران فور الحصول على الضوء الأخضر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما سيتم إلغاء كل العقوبات المالية المفروضة من جانب الاتحاد الأوربي، وسيكون من الممكن الوصول إلى الموارد الإيرانية من العملة الصعبة في كل الدول وإمكانية تحويلها، وذلك مع تنفيذ خطة العمل المشترك، وسيُفرج عن كل الموارد المالية والاقتصادية المتعلقة بالأشخاص الطبيعيين والاعتباريين ومؤسساتٍ، مثل البنوك والمؤسسات المالية الإيرانية والمصرف المركزي والأشخاص الذين حذفت أسماؤهم عن لائحة العقوبات وستوضع بتصرف إيران.

إن بدء تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني من شأنه أن يُسهّل على الولايات المتحدة الأمريكية إيجاد حلول جدّية للأزمات في العراق وسورية أولاً، كما سيحدُّ من المشاكل في لبنان وفلسطين واليمن، ولعل أهم ما في التنفيذ هو أنّ الولايات المتحدة لم تعد ترى في السعودية حليفها الأهمّ، فقد تصرفت بما يخالف أمانيها وأماني الصهاينة، وبالتالي فإن هذا التنفيذ من شأنه أن يزيد من الحقد السعودي الصهيوني على إيران، ويدفعهما إلى افتعال أزمات جديدة في المنطقة. كما أن من شأن هذا التنفيذ للاتفاق النووي أن يفسح المجال لروسيا للدخول في السوق الإيراني بشكلٍ واسع وبلا مُنازع تقريبًا. خصوصًا فيما يتعلق بأمور التسليح وتكنولوجيا التطوير العسكري، فضلاً عن التنسيق بين الدولتين بشكل أكبر لحلّ النزاعات في المنطقة، والعمل على مكافحة التنظيمات الإرهابية ومحاربتها هنا وهناك، ذلك أن هذه التنظيمات استفادت بشكل كبير من القطيعة الإيرانية الغربية، ومن الدعم السعودي لها للوقوف في وجه إيران ووجه الدول الحليفة لها. إن التزام إيران بكامل تعهداتها تجاه الاتفاق النووي من شأنه أن يعزّزَ مصداقيتها أمام دول العالم، ولاسيما تلك التي كانت تنظر إليها بكثيرٍ من الريبة والشك، كما من شأنه أن يعزز حضورها الفاعل في مختلف الميادين الإقليمية والعالمية.

العدد 1105 - 01/5/2024