الهجرة كارثة إنسانية

 الأوضاع المتردية والظروف المريرة التي يعيشها المجتمع بسبب الحرب التي طال سعيرها، وما تزال تحرق كل أسباب الحياة، صار الواقع مريراً جداً، واقعاً من البؤس والفوضى والانحطاط في كل قيم ومفاهيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ما ينذر بانهيار المجتمع تماماً.

هذا الخوف من الانهيار الشامل لكل مقومات العيش الإنساني، خلق أزمة جديدة لدى أبناء المجتمع أفراداً وجماعات وعائلات، أولئك الذين يخشون الوصول إلى المزيد من الحالة المزرية للهزيمة النفسية والمادية والاقتصادية والاجتماعية، تلك الأزمة الجديدة هي أزمة الهروب من المكان المتصدع، إلى مكان آخر أقل تصدعاً، بالهجرة والنزوح واللجوء والإيواء.

بدأت الرغبة في الهجرة تستفحل كالوباء السريع الانتشار، وازدادت أعداد المهاجرين المتجهين نحو الأماكن القريبة أو البعيدة جغرافياً عن مناطق النشأة الأولى في الوطن…اهجرة بكل أسبابها، وأنواعها، ودوافعها، هي اقتلاع الرضيع عن صدر أمه، هي غربة الروح والنفس والجسد، هي الهروب من واقع أليم، إلى واقع مؤلم أكثر.

المهاجر هو الإنسان الذي اخترق جدار المكان، واستطاع أن يتخطى ارتباطه بالبيئة التي عشقها في الوطن، فترك التراب الوطني ليدوس تراباً جديداً، غير متأكد من مرونته لموطئ قدمه.  المهاجر الذي جاء إلى مواطن الإيواء وفي حقيبة أفكاره أسراره وعاداته وأعرافه وعقائده وتناقضات آرائه واختلاف ثقافته، لا يجد نفسه في المجتمع الجديد إلا وكأنه متهم، في البداية يخضع للتحقيقات والمراقبة الصارمة، ومتهم دائماً بأن لديه نية الإرهاب ما لم يثبت العكس. يحاول أن يكون شيئاً في المكان الجديد، يحاول أن يبدو متفهماً لثقافاتهم وتقاليدهم، وسيعمل على الاندماج بينهم حسب أهوائهم واتجاهاتهم، بكل قبول ورضا.

المهاجرُ لا يجد غضاضة في أن يرتزق من أي عمل يوكل إليه، ويقنع نفسه بأن هذا العالم الجديد لن يبخل عليه بقيمة ما يقدم له من خدمات، مهما كانت أنواع تلك الخدمات.

بكل حال، وفي الهجرة الأخيرة إلى أوربا بسبب الحرب المستمرة، لا أظن أحداً من المهاجرين يفكر في الاندماج بشكل كامل في المجتمعات الجديدة، لأنهم يعتبرون هجرتهم مؤقتة وسيعودون إلى بلدانهم بزوال أسباب الهجرة مهما طال الزمن، حتى تلك الدول التي تم اللجوء إليها يتم تعاملهم مع اللاجئين على أنهم في مراكز إيواء مؤقت ومعسكرات مؤقتة، وسيتم إعادتهم لبلدانهم عندما تسنح الظروف بذلك.

العدد 1105 - 01/5/2024