بكّرت الرحيل.. وداعاً!

لم أكن قد عرفت الأديب والكاتب الروائي المبدع باسم عبدو، بعد، عندما كتبت حول مجموعته (اعترافات) في جريدة (الثقافة) التي كان يصدرها الأديب مدحة عكاش، رحمه الله…وبعد معرفتي به عن كثب بدأ مشوار الصداقة بيننا… لم أحسب أنني سأفارق ذلك الأديب الذي التقيته قبل عقدين ونيف في قهوة الروضة، مع مجموعة من الصحب، وشكّل في ذاكرتي انطباعاً من اللحظات الأولى أن الطيب والموقف الواحد الثابت ينفح عبيره بين دلالات كلامه، وكانت الابتسامة الصادقة لا تفارق محياه.. وعرفته وقوراً محباً للعلم والمعرفة، ولعلني بذلت جهداً لأكتسب من اهتمامه..لطيبه الذي لا يوصف…

وحينما تشرفت برواياته (جسر الموت)، و(احتراق الضباب)، و(زهرة في الرمال)، شعرت أنني أمام كاتب وأديب مبدع له رؤيته الثقافية وهمومه وشجونه الاجتماعية والإبداعية، قبل أن يصبح رئيساً لتحرير جريدة (النور) السورية، وطلب منّي أن أكتب معه مقدماً لي يد المساعدة وهو الأديب المعروف والحصيف المميز..وأخذ يمدّني بعونه ويصحّح أخطائي الكتابية..وحين ألتقيه أشعر بدفء حنانه وصدق مشاعره نحو الصداقة.

باسم عبدو الذي لم يكن متكلفاً بشيء كان يسعى بكل قواه من أجل وطنه.. بنظافة يده ولسانه، عمل سنوات في تحرير مجلة (دراسات اشتراكية) فجعل من بركان إبداعه ناراً وضاءة في سماء القصة القصيرة والأدب، واتخذ من قلمه ومتخيله الواسع وسيلة للتعبير عن آلام الناس وهمومهم.. وكذلك فعل في (النور) حين كان يحرر صفحة (شرفات الكلام)، وزاويته الأسبوعية، فيقدم لنا رؤيته وتطلعاته السياسية والثقافية والنقدية الأدبية.

وحين أصدرت كتابي الأول (فهد بلان.. الفنان الإنسان) كتب عنه بصدق المشاعر ومحبة الصديق الصدوق.. فلغته الشعرية تجعل المتلقي يعيش بين ثنايا الدلالات لديه، وعمق تفكيره التحليلي يرتقي إلى درجة عالية بين غيوم الحق والحقيقة…أخذ بيدي إلى درجة أنه بات يصحح أخطائي التي لا تحصى..ويتحمل أعباء المعاناة مع صحب له لأجلي.. وقدمني إلى أماكن لم أحلم بها.. ونشر لي مقالات في صحف كنت تواقاً للكتابة فيها.. ومنحني الثقة أن أكون صديقه بعد جلسات أدبية طويلة.. وخاض تجربة جديدة عضواً في المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب..

أبو شفيع، الحامل قيمة خاصة قلما يتمتع بها غيره من الإخلاص في العمل وقيمته..فكان يكتب ويكتب ويقدم انطباعات تواكب الأحداث الجارية.. واثقاً أن الوطن لن ينسى له ذلك التعب والجهد…أبو شفيع بكّر الرحيل..وترك في القلب حسرة.. كيف ترحل أيها الغالي وصوت الأصدقاء يحتاج إليك؟!كيف ترحل والحياة تتماهى مع صدقك وإخلاصك ووفائك؟

أبا شفيع، كنت الصديق الصدوق.. والأخ الرؤوف.. والمعلم الشغوف…كيف أنسى أنك قدمت لي الكثير من فكرك وإنسانيتك للنهوض بتقصيري؟!كيف أنسى أنك المرشد لي؟! لقد كان وقع الخبر على مسامعي صادماً…ليتني لم اقرأ ذلك الخبر… عهداً عليّ يا صديق الوفاء أن تبقى في الذاكرة.. وأن تبقى سجاياك ثقافة لي.. وأن تبقى وساماً ذلك أنني في يوم من الأيام كنت إلى جانب أخي ورفيق دربي ومعلمي باسم عبدو… هنيئاً للسماء بك.. ولتتنزل شآبيب الرحمات على روحك الطاهرة!

العدد 1105 - 01/5/2024