قراءة في تقرير التنمية العربية 2016

في نهاية العام الماضي, أُطلق التقرير الدوري الصادر عن الأمم المتحدة من 246 صفحة حول التنمية الإنسانية في العالم العربي, تحت عنوان (الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير). يشمل التقرير معطيات وبيانات وإحصاءات تبدأ منذ عام 2005 لكنها تتوسع بدءا من عام 2011. يركز التقرير على واقع الشباب العربي, التحديات والامكانيات التي تواجهه في المنطقة العربية, تشريح مُفصل لأوضاعه ومشاكله ودوره باعتباره كان العامل المحوري في ظل (الثورات) التي اجتاحت العالم العربي. كما يتطرق التقرير أيضاً لتعاظم فجوة انعدام المساواة واستمرار وانتشار التمييز ضد المرأة, ويعتبر التقرير أن الدعوة إلى تمكين الشباب في المنطقة العربية، ليست دعوة إلى تقديم الدعم لجيل الشباب فقط، بل هي دعوة إلى التمكين من أجل إعادة بناء المجتمعات العربية برمتها والتوجّه نحو مستقبل أفضل. ويرى التقرير أن تمكين المرأة عنصر رئيسي وأساسي في تغيير الواقع العربي, وفي الحقيقة إن أي تقدم في التنمية قد حصل في الأماكن الذي حصلت فيها المرأة على العدالة والاعتبارية, وأن أي تحسين في المستقبل لايمكن أن يتحقق دون تمكين المرأة. طبعاً الموانع الدينية هي أكثر الموانع خطورة على دور المرأة. وفي بعض المجتمعات قد تطغى موانع الأعراف على موانع الدين.

ومن النتائج المجدولة في التقرير أن جيل الشباب في العالم العربي حالياً هو من الفئة العمرية 15 إلى 29 سنة، وهو أكبرُ كتلة بشرية تشهدها المنطقة منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، وتشكل هذه الفئة نحو 30% من مجمل الكتلة السكانية البالغة الذين 392 مليون نسمة بحسب إحصاءات عام 2015 الصادرة عن البنك الدولي. بالتالي يبلغ عدد الشباب في هذه المرحلة العمرية حوالي 105 ملايين نسمة؛ أي تقريباً 30% من عدد السكان الإجمالي، فيما يشكل عدد السكان من الفئة العمرية أقل من 15 عاماً أيضاً حوالي 30% من إجمالي عدد السكان؛ بمعنى أن إن 60% من سكان المنطقة العربية لم يصلوا إلى سن الثلاثين عاماً بعد.

ووصفت مجلة (ذي إيكونوميست) ما جاء في التقرير بـأنه (مرعب)، وقالت الصحيفة إنه: (وفقًا لما ورد في التقرير الأممي من أن حركات الاحتجاج العربية تأتي في دورات مدتها خمس سنوات، نظراً لصعود الاضطرابات في شمال إفريقيا أعوام 2001، و2006، و2011، وفي كل مرة تكون أكثر حدة من سابقتها؛ فإنه يبدو اقتراب موعد نوبة جديدة من الاحتجاجات وارد الحدوث تماماً). غير أن السيد عادل عبد اللطيف، مستشار شؤون السياسات، بالمكتب الإقليمي للدول العربية، في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدا أكثر تفاؤلاً عندما قال إنه (من المبكر حسم النتائج, والأجيال القادمة لابد أن تستفيد من الدروس التي حصلت عام 2011, وان تقوم بالتغيير ليس فقط عبر إسقاط الانظمة بل عبر وسائل أخرى تؤدي إلى التغيير المنشود), ومهما يكن من أمر, إذا نظرنا إلى بيانات هذا التقرير من زاوية أخرى نجد, وكما ذكر التقرير أن البلدان العربية في هذه الثروة الشابة وفي ظل سياسات حكيمة, قد تستطيع تحقيقَ طفرة حقيقية ومكاسب تنموية عالية, وعلى نحوٍ مستدام إذا تبنَّت سياسات تُعطي الشبابَ حقوقهم السياسية والعدالة الاجتماعية وآليات للتعبير عن أرائهم في صياغة مجتمعاتِهم. لكن يبدو هذا ضرباً من الخيال في ظل سيطرة الأنظمة الشمولية على معظم العالم العربي, واحتكارها للقرار السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي, والإفلاس في مشاريعها الخمسية والعشرية التي يعود بعضها إلى عقود عدة, والسوداوية تظهر هنا إذا أدركنا أن الموجات الشبابية ستبقى موجودة في العالم العربي لفترة طويلة, ولايمكن لأي نظام في أي بلد عربي إذا كان يعتبر نفسه وطنياً أن يتجاهل هذه الموجات ويبقى نائما على أسباب موضوعية سوف تدفعها إلى العنف, مثل التغاضي عن الفساد والهدر في مؤسسات الدولة وعدم الجدية في التغير السياسي, واعتمادها على الأسلوب الأمني فقط في حل أزماتها.. إن الإحباط يولد الراديكالية, والنموذج التنموي في العالم العربي منذ عام 2011 غير قابل للاستمرار, ولابد من حلول جريئة لتجاوز المخاطر التي يمكن أن تنجم عن طاقات الفئة الشابة وميلها إلى العنف والتطرف.

العدد 1105 - 01/5/2024