الهيمنة بالعولمة وعولمة الهيمنة

من أكثر المصطلحات تداولاً وأكثرها تضليلاً وتمويهاً كان مصطلح العولمة الذي اختبأت خلفه القوة العظيمة المنتصرة في الحرب الباردة، لتكريس هيمنتها وتفرّدها بقيادة العالم بأساليب جديدة، وتقزيم كل من يحاول المساس بهيمنتها، أو مطالبتها بأيّ جزء من الكعكة العالمية، بشكل يكرّسه ليكون نداً مستقبلياً.

إن أخطر دروب الهيمنة هي تلك التي تنفذ دون أن يشعر بها من تمارس عليه من البلدان المقصودة والمخطط لاستنزافها وتدميرها وتحطيم منتوجها التنموي، تحت مسميات مختلفة، وتجد مصفقين ومسوقين ومقاتلين داعمين لها من داخل هذه البلدان.

 وكلنا يعلم أنّ الهيمنة لم تعد تخضع بشكل دائم لمنطق القوة ولكنها إحدى أدواتها، فحين تختفي السبل الأخرى يُلجأ لها ولكن الأسلم والأقل كلفة والأكثر ربحية جعل القوى الأخرى تضرب بعضها، وتستنزف بعضها، فعصر الغزو المباشر قلّت إنتاجيته في ظل عصر التحكم في العقول وسلبها واستلابها، وهكذا يمثل التحكم في العقول أهم رهانات إمبراطورية الولايات المتحدة التي تخطط للاستمرار مهيمنة لأمد بعيد وطويل.

إن الهيمنة لا تعني فقط التفوق الحالي، ولكن كذلك استباق كل ما قد يهدد التميز وذلك من خلال هيكلة مجال الفعل والتحكم، فالمهيمن ليس فقط هو ذلك الواعي بوضعه وبقوته، ولكن تحويل كل هذا إلى قدرة سياسية، عسكرية، اقتصادية وثقافية، لإنتاج وضع دولي يكون خادماً لنزوات هذه الهيمنة اللامتناهية.

ولعل الولايات المتحدة التي مارست في الماضي الجرائم البشعة من إبادة ضد الهنود والاسترقاق ضد السود الأفارقة، والتوسع ضد المكسيك والاستعمار ضد البورتوريكانيين، وعند الحاجة استكملتها في العراق وأفغانستان وغيرهما، لعلّها قد وجدت أساليب مبتكرة للسيطرة والنهب والسلب والتدمير والاستنزاف لمنعكسات تنمية البلدان الأخرى، وفرض نموذج العولمة المتأمرك المهيمن، وذلك بعد أن شعرت بإثمار ما فرضته من برامج وسياسات عبر أنظمة تابعة محققة لكل مطالبها وفق ما تريد، وكذلك بعدما شعرت بتأثير الغزو المباشر على داخلها نتيجة خسائرها البشرية وانعكاساته على وحدة صفوفها، كما حصل في العراق الذي حصد أكثر من 5 آلاف غاز أمريكي وأكثر من مليون ونصف مواطن عراقي عدا أكثر من تريليون و500 مليار دولار وغيرها من الكوارث , فلجأت إلى الاحتلال السلمي لعقول غير الأمريكيين، واستمالة قلوبهم بهدف تفتيت جسدهم الواحد ومحو أي هوية أو جذر جامع لسكان حيز جغرافي محدد, والغريب أن تكون أوربا الغربية هي الأقل مقاومة لهذا المشروع مع أنها الخاسر الاستراتيجي الأكبر.

 يطلق البنتاغون على هذه الهيمنة أو التفوق على المنافسين كافة، تعبيراً خاصاً هو (طيف الهيمنة الكامل)، وهذا يعني بأن على الولايات المتحدة امتلاك قدرة السيطرة على التطورات العسكرية والاقتصادية والسياسية، إذا ما أرادت الهيمنة على كل شيء وفي كل مكان. ومن خلال ذلك وجدت الولايات المتحدة نفسها على المستوى الجيوسياسي في مستوى من الهيمنة لم تحلم به، ولم تصلها أية دولة من قبل من خلال الهيمنات التالية:

1 – الهيمنة العسكرية: توجد القوات الخاصة الامريكية في 138 بلداً أي 70% من العالم، لفرض (الهيمنة الأمريكية الكاملة على العالم، وهي تسيطر على المحيط العالمي، وتعمل على السيطرة على مركز العالم المتمثل بالنسبة لها بأفغانستان والعراق ومنطقتنا لتعزيز الهيمنة، وتعمل على ذلك من خلال قوة عسكرية مميزة.

 القوة الأمريكية العسكرية قاهرة، فهي أوّل قوة نووية وفضائية وكذلك بحرية، وهي الوحيدة التي تتوفر على أسطول بحري في كل محيطات العالم، كما أن لها قواعد عسكرية وتموينية وتجسسية في كل القارات.

وتنفق وزارة الدفاع على البحث في الميدان العسكري قرابة 31 مليار دولار، وهو ما يعادل ميزانية الدفاع الفرنسية بكاملها، كما تمتلك في مجال الأسلحة أنواعاً تتقدم على غيرها بعدة أجيال.

وبإمكان قواتها المسلحة البالغة (1.4 مليون جندي) أن تسمع وتتابع وتتعرف على كل شيء سواء كان في الجو أم في البحر أم تحت الماء. وبإمكانها أيضاً أن ترى كل شيء دون أن تُرى، وأن تدمر هدفاً بدقة فائقة، سواء في الليل أو في النهار، دون التعرض لأيّ تهديد.

وتتوفر الولايات المتحدة على أجهزة مختلفة للاستخبارات ووكالات الاستعلامات [وكالة الاستعلامات المركزية CIAووكالة الأمن القومي NSA، والمكتب الوطني للاستطلاع NROووكالة الاستعلامات للدفاع (DIA) ]، التي تشغل أكثر من 000 100 شخص بميزانية تتجاوز 26 مليار دولار، ويتحرك جواسيسها في كل مكان وفي كل وقت، لدى الأصدقاء والأعداء، ولا يقتصر نشاطهم على سرقة الأسرار العسكرية والدبلوماسية فقط، بل يمتد إلى سرقة الأسرار الصناعية والتكنولوجية والعلمية.

2- الهيمنة السياسية: إن الأهداف الحقيقية وراء تأسيس الأمم المتحدة، هو وضع سياسة دولية جديدة بمعايير أخرى تخدم مصالح الجهة المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد مؤتمر يالطة الذي جمع الرئيس الأمريكي (روزفلت) والوزير البريطاني (ونستون تشرشل) والزعيم السوفياتي (جوزيف ستالين).

وبحسب خبراء الجيوبوليتيكا أنه كان من الأهداف المضمرة لمؤتمر يالطة توزيع العالم بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي: الثلثان للأولى والثلث للثانية، حيث كان الاتفاق على أنه يجب عدم تغيير العالم، ولكن الأساس هو التوزيع وأنه لا داعي للدخول في صراعات قد تضرب مصالحهما). وتهيمن الولايات المتحدة على السياسة الدولية بشكل مطلق، فهي تراقب الأوضاع في كل العالم وتحاول التأزيم الدائم فيها، فمصالحها موجودة في كل القارات، وتعتبر الوحيدة القادرة على التحرك في العالم من الشرق الأوسط إلى كوسوفو، ومن تيمور إلى تايوان، ومن الباكستان إلى القوقاز، ومن الكونجو إلى أنجولا، ومن كوبا إلى كولومبيا.

وهي التي تحدد اختيارات العالم وسيره من خلال هيمنتها على هيئة الأمم المتحدة، ومجموعة الدول السبع الأكثر تصنيعاً، ومنظمة حلف شمال الأطلسي… إلخ.

ومن خلال سيطرتها على المؤسسات الدولية وقراراتها كمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وما يتبعهما، جعلت قراراتها مطيّة للتدخل بسيادة الدول وبأمورها الداخلية، جاعلة من حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية مبرراً لأيّ تدخل أمريكي، وعندما تعجز عن أخذ قرار تبريري لعدوانها وقتلها فإنّها تفعل ذلك دون الرجوع لهذه المنظمات مثلما حصل في العراق ويحصل في سورية، لأنّها دولة إرهابية لا تؤمن بقانون دولي، وترى أنها فوقه وأن على البقية أن يخضعوا لهذا القانون مثلما تريد هي.

3 – الهيمنة العلمية: وبما أن الهيمنة المطلقة لأي إمبراطورية معينة في عالمنا المعاصر، لم تعد تقاس بإمكانياتها العسكرية والدبلوماسية فقط، فقد حرصت الولايات المتحدة على أن تكون الأكثر تفوقاً في المجال العلمي من خلال آلاف الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، وكذلك من خلال سرقة الكفاءات والعقول، فهي تمتص من العالم أجمع رحيقه ونتاج عشرات الآلاف من الأدمغة من طلبة وباحثين وحاملي شهادات مختلفة، الذين يحلّون كل سنة بجامعاتها ومختبراتها ومقاولاتها، مما سمح لها خلال السنوات الأخيرة بالحصول على 19 جائزة نوبل من أصل 26 في الفيزياء، و17 من أصل 24 في الطب، و13 من أصل 22 في الكيمياء.

4 – الهيمنة الاقتصادية: أما اقتصادياً فقد استطاعت أن تقبض على العالم وتتصرف في أموره بما يتناسب مع خططها الاقتصادية الرامية لاستمرارية التبعية، كدولة مركز ودول أطراف، وذلك عبر مصطلحات حرية التجارة وحرية السوق, أي جعل العالم سوقاً حرةً للمنتجات الأمريكية، ويجب على كل البلدان أن تفتح أسواقها وتسيّر أمورها حسب سياسات السوق وحرية التجارة، من وجهة النظر الرأسمالية، وفق مقررات مؤتمر واشنطن وتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد، فالفائدة حتماً هي للمستثمر الأجنبي وللشركات الأجنبية التي قد تتدخل في السياسات الداخلية وتهيئ لاختلالات أمنيّة, وهكذا يقع اقتصاد البلد برمّته تحت سيطرة هذه الشركات وهذا المستعمر القادم بلباس المستثمر، ويعم البلاد  الفقر المدقع والجهل والأمراض واليأس والإحباط والتشرذم والصراعات الجاهزة للإشعال، وستكون الشعوب هي الضحية.

ويأتي تفوّق الولايات المتحدة أيضاً من خلال إدارة البورصات العالمية وتسييرها، مثل: بورصة واشنطن، شيكاغو، نيويورك… وكذلك من خلال الهيمنة والتأثير على المؤسسات المالية العالمية مثل: صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية، الشركات متعددة الجنسية ذات النفوذ الواسع، عن طريق إقامة فروع لها في مختلف دول العالم, وكذلك تتفوق عن طريق الدولار المعولم كعملة عالمية يمثل60% من المبادلات الدولية واعتماده كعملة مرجعية تحدد بواسطتها أسعار المواد والعملات الأخرى، وهو ما أكسبها ورقة ضغط أخرى، إذ إنّ كل تذبذب في قيمته يؤثر على اقتصاد الدول المتعاملة معها سلبياً.

 وهكذا فإن العولمة الاقتصادية أدّت إلى نشر العادات والقيم التي يمارسها الغرب في القطاع الاقتصادي، كالحرية الاقتصاديّة المتمثلة في فتح الأسواق وتحرير الأسعار وتركها وفقاً لعمليّتي العرض والطلب، إضافة إلى عدم وجود أي تدخل حكومي في العمليّة الاقتصاديّة, وما بوحها الداعي لـ لبرلة العالم إلا كذبة كبرى الهدف منها إضعاف المؤسسات وتقوية شخصيات تابعة لها تعتبر مرتكزاً داعماً لمشروعها ولسيطرتها, فأي ليبرالية في ظل ظروف من الفساد المسرطن، والاحتكار والاستبداد والفوضى المنظمة؟!

5 – الهيمنة الإعلامية: وتعتبر أمريكا أول قوة في ميدان المعلومات، فهي تتحكم في الاختراعات التكنولوجية الجديدة، وفي الصناعات الرقمية، والامتدادات والإسقاطات (المادية واللامادية) من كل نوع.

إنها بلاد المواقع، والطرق السريعة للمعلومات و(الاقتصاد الجديد) وعمالقة الإعلاميات ( ميكروسوفت، إ.ب.م، إنتيل) وأبطال إنترنت (ياهو ـ أمازون ـ أمريكا أونلاين)، وراعية الفضاءات الإعلامية وموجّهتها, وباعثة الأجندات المفرّقة المشيطنة المدمّرة معللةً القتل, وهي صانعة الإرهاب والمروّجة له, مشوهة الأديان والقوميات، للاستثمارات الجاهزة في بث الفوضى وتبرير الغزو والقتل, وتشويه الهويات الوطنية، والهويات القائمة على روحانيات بنّاءة منيرة، وهذه الهويات هي الخطر الأكبر على هيمنة مشروعها الأوحد.

6 – الهيمنة الثقافية: تمارس الولايات المتحدة علاوةً على ما سبق هيمنة ثقافية وإيديولوجية، تتمثّل بمثقفين كبار يُجمع الكل على احترامهم، وعلى أعداد هائلة من المبدعين في مختلف المجالات الفنية الذين يبهرون وعن جدارة في كل مكان.

وتمتلك كذلك التحكم في الرمزية التي تمكنها من (الهيمنة الآسرة)، وهكذا وباعتمادها على سلطة الإعلام والتكنولوجيا تقيم الولايات المتحدة، بالتواطؤ المستسلم للخاضعين، ما يمكن تسميته بالقهر اللطيف أو الاستبداد اللذيذ، وخاصة عندما يضاف إلى هذه السلطة التحكم في الصناعات الثقافية والهيمنة على خيالنا, ويرافق هذا كله خطاب جذاب يتحدث عن حرية الاختيار واستقلالية المستهلك، وحضور جنوني للإعلان ( تخصص في الولايات المتحدة 200 مليار دولار للإعلان في السنة) الذي يشمل الرموز والمستهلكات المادية، ولقد وصل فن التجارة إلى درجة من الكفاءة، أصبح يطمح معها إلى تسويق ليس نوع معين أو علامة معينة، ولكن هوية، وليس علامة اجتماعية معينة ولكن شخصية، حسب مبدأ ربط الشخصية بما تملك, وكان الغزو الثقافي الممهّد الضروري لمشروع الهيمنة الأمريكية المطلق، ولم يقتصر على الثقافة فقط إنّما إضافة إلى ذلك عملت على فرض التغيير في المناهج التعليمية وكل أدوات التنشئة التي تتولاها المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتربوية والأسرية، لإعداد جيل يستطيع معايشة العولمة الأمريكية، وكل ذلك لتنفيذ أطروحات لم تطلق عبثاً، ومقولات خطيرة كصراع الحضارات ونهاية التاريخ التي روّج لها قادة الرأي في أمريكا، هذا الصراع الذي لا يستند إلى أي شكل من أشكال التوازن، بقدر استناده إلى إيديولوجية الهيمنة الأمريكية واستعبادها للشعوب، وهذا ما يتفق مع ما أنذر به (ألدو هوكسلي) عام1931 حين قال: (في مرحلة التكنولوجيا المتقدمة، إنّ الذي سيشكل الخطر الأكبر على الأفكار والثقافة والعقول، لن يأتي من خصم يثير الفزع والكراهية بقدر ما ستأتي من عدو بشوش).

إن الولايات المتحدة تسعى إلى إخضاعنا، لا باستعمال القوة فقط، وإنما بسحر عقولنا، وليس عن طريق إصدار الأوامر، بل عن طريق خضوعنا الطوعي، وليس عن طريق تهديدنا بالعقوبة ولكن بالمراهنة على تعطشنا.

وبذلك نرى أن مضمون العولمة في ظاهره كان دعوة إلى تعميم الديمقراطية والليبرالية السياسية، وحقوق الإنسان والحريات الفردية، وغيرها من القيم السياسية للمجتمع الغربي، إلا أن باطن العولمة السياسية هو(الأمركة) أو(الهيمنة الأمريكية). إن جوهر العولمة المؤمركة هو إعادة إنتاج مقولات الاستشراق الأمريكي مثل مقولة (روزفلت) أحد رؤساء أمريكا سنة 1898: ( قدرنا أمركة العالم)، إن هذه المقولة تتجسّد عملياً بعد أن مضى عليها أكثر من قرن، وبعد أن اتضح أن (النظام الدولي الجديد) الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية للانفراد بالعالم والهيمنة عليه، يهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف المتمثلة بالسيطرة المطلقة وتبعية الجميع, وعرقلة أي تطور لأي قوى أخرى محتملة المواجهة, واستمرارية سياسات النهب والابتزاز والإفقار, وجعل الآخرين مسرحاً لكل العمليات ومحاولة تقويض أي تعثّرات داخلية أو تناقضات تهشّم البنيان، وتضعف الداخل المتين، وهكذا كانت الممارسات تحت غطاء ما سمي بالعولمة تكريساً لهذه الأهداف، فالعولمة أدّت إلى خلق أنماط جديدة من التبعية وتوسيع مجالاتها في العالم بشكل عام، وفي منطقتنا بشكل خاص، إضافة إلى أشكال التبعية الموجودة فيه والمتمثلة في المجالات التالية:‏

 تبعية في مجال الاقتصاد، وبشكل عام تمثّلت في مديونية رسمية للخارج، وبخاصة للغرب ومؤسساته المالية. تبعية غذائيّة تمثّلت في انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي العربي في تأمين الغذاء وتزايد نسبة الاعتماد على الخارج لتأمينه.

تبعيّة سياسيّة ببرامج وقرارات وسياسات تماهي الرؤى الأمريكية وتسير نحو التأزيم الدائم، وتقطع الطريق أمام أيّ تحوّل ديمقراطي بنّاء وكذلك تبعية أمنية ناجمة أساساً عن حالة التمزق والتشرذم, وحتى‏ تبعية في حقل المياه تتمثل في تهديد الأمن المائي العربي.

هذه التّبعيات متشابكة، يؤثر بعضها في بعضها الآخر وتنعكس سلباً على استقلالية القرار، وتهيّء الفرصة لنجاح المشروع الأمريكي المهيمن، ويبقى السؤال: هل هذا المشروع قدر لا يمكن مواجهته، أو التخفيف من سلبياته؟! إن مصلحة أغلب دول العالم، باستثناء الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، هي في مواجهة هذا المشروع، والعمل على تقويضه، لثبوت أنّه ليس للولايات المتحدة أصدقاء، وإنما أتباع تبيعهم في أي لحظة، وكذلك لثبوت أن الولايات المتحدة لا تؤمن بمؤسسات دول تؤمّن الاستقرار والازدهار وإنما شخصيات مقوضة تابعة تتفوق على الدول.

إن مواجهة العولمة بأبعادها هي مواجهة للهيمنة الأمريكية عبر خطابات وطنية جامعة وعبر استقلاليات اقتصادية واقتصادات تُدار بمؤسسات تنطلق من مصالح بلدانها، ولا تراعي مصالح الأدوات الأمريكية.

 إن استئصال العملاء والأدوات المزروعين للولايات المتحدة، طريق الوصول، وكذلك استثمار كفاءات تعيد اللحمة والترابط وتعيد للأديان موقعها البعيد عن الشيطنة، التي كانت لعبة الولايات لتشويهها وتمرير ميليشيات إرهابية تابعة لها وفاعلة لمشروعها. إن الديمقراطيات المحلية النابعة من واقع البلدان حجرة أساس لهذه المواجهة الجزئية, وإن كانت الملامح العالمية تنبأ بصدام مصالح بينها وبين باقي الدول حلفاء الأمس، وهو ضروري لإعادة ترتيب العالم، ولكن الرهان الأساسي هو على العمل والهويات الوطنية، فكلما تماسكت البنى الداخلية للبلدان صعُب تحقيق المشروع الأمريكي، المعتمد على كل نواحي الإرهاب والهيمنة لنجاحه. تناقضات المصالح الناجمة عن الهيمنة المطلقة قد تكون باعثة الأمل للتغيرات القادمة البناءة بعد الفوضى، وبالتأكيد البناءة للديمقراطية ولحقوق الإنسان وليست هدّامة لكل القيم والأخلاقيات والأوطان، كما كان المشروع السابق للولايات المتحدة

العدد 1105 - 01/5/2024