كي لا ننسى…الأخوان عبد الكريم وسعد الدين اللّو تفانِ في خدمة الطبقة العاملة

حيّ الشاغور، حيٌّ شعبي عريق في دمشق ومتجذّر في تاريخها الوطني، ويملك تقاليد نضالية ترسخت عبر سنوات طويلة من الكفاح ضد المستعمرين الفرنسيين وقبلهم العثمانيين، وقد برز منه رجالات شعبية وطنية دخلت أسماؤهم في الإرث النضالي للشعب السوري.

ولعل اسم حسن الخراط الثائر الشعبي السوري الذي وهب حياته من أجل استقلال الوطن السوري من نير المستعمرين الفرنسيين يقف إلى جانب أبرز قادة حركة التحرر الوطني السورية، ولا يوجد سوري راشد إلا ويعرف اسمه، الذي تحول إلى رمز للرجولة والبطولة والتضحية والفداء.

في هذا الحي الدمشقي العريق، يولد في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي عبد الكريم اللّو، من عائلة شعبية وطنية كانت لبنة من لبنات هذا الحي الصلبة التي لم تعرف المهادنة مع المستعمرين. وفي منتصف الثلاثينيات يولد فيها الأخ الثاني سعد الدين اللّو.. ينمو الأخوان معاً، ومعاً يدخلان معترك الحياة مدرستهما الأولى. لم تكن المدارس منتشرة كثيراً آنذاك، ويضطران باكراً إلى الانخراط في العمل، كي يساعدا في تأمين متطلبات العائلة التي كانت تعاني من العوز والحاجة، شأنها في ذلك شأن معظم عائلات الحي، بل عائلات البلاد.. كانت مهنة الخياطة منتشرة آنذاك، وقد دخل الأخوان إليها من الباب العريض، وساعدهما في ذلك تراث العائلة الذي ارتبط بهذه المهنة.. يعملان معاً، ويتطوران تدريجياً ليصبحا فيما بعد معلّمَين ماهرَين اكتسبا الشهرة. كانت نقابة الخياطين من النقابات الأولى التي تشكلت في دمشق، وقد كان للقوى الديمقراطية والشيوعية دور كبير في تشكلها، وبرزت منها شخصيات نقابية بارزة مثل شكري صديق كرّست تقاليد ديمقراطية راسخة فيها.

وكان من الطبيعي أن يتأثر الأخَوان بهذه البيئة التي نشأا فيها، ووجدا نفسيهما تدريجياً في صفوف الحزب الشيوعي، ومنذئذٍ وهبا كل طاقاتهما من أجل العمل الحزبي والنقابي، وأصبحا عضوين بارزين في هذه النقابة، وفي منظمة الحزب الشيوعي السوري في دمشق. ولقد خاض الأخَوان مع الحزب كل نضالاته الوطنية والاجتماعية والاقتصادية، ولم يبخلا بالجهد من أجل تنفيذ جميع المهام التي كُلّفا بها.. وقد برزا وجهين شعبيَّين في حيّهما وفي النقابة أيضاً.. بيد أن التطور الوطني والديمقراطي الذي كان يجري في البلاد، والذي عملت لإجهاضه جميعُ القوى التي لا تهمها مصلحة الشعب السوري ولا ازدهاره، قد توقّف.

لم تكن الوحدة السورية المصرية التي أُقيمت بعجالة تملك أية أسس موضوعية لاستمرارها وتحولها إلى قوة جاذبة لبقية الشعوب العربية، ويصدر الحزب الشيوعي نقاطه الثلاث عشرة التي تؤكد ضرورة مراعاة الظروف الموضوعية التي نشأت في كل من مصر وسورية من أجل مصلحة الوحدة وترسيخها، وعوضاً عن أن تجري الاستجابة لهذه المطالبة، تُشنّ على نطاق البلاد حملة شرسة مناهضة للشيوعية والديمقراطية وتبدأ الاعتقالات الواسعة للشيوعيين والديمقراطيين، لتنتقل بعد ذلك وتطول أغلبية القوى السياسية الأخرى في البلاد، وتتحول سورية إلى سجن كبير. تطول حملة الاعتقالات سعد الدين اللو، أما عبد الكريم فلم تستطع أجهزة المباحث العثور عليه..

يتعرض سعد الدين للضغوط والتعذيب، ويُطلب منه خيانة حزبه وخيانة أصدقائه العمال الذين عاش معهم.. بيد أنه تحمّل كل ذلك بثبات، ورفض الرضوخ لضغوط الأجهزة، مفضّلاً البقاء في السجن على الاستسلام. تنقضي ثلاث سنوات، وتنهار الوحدة، كما تنبّأ بذلك الحزب الشيوعي، ويخرج المعتقلون السياسيون من السجن بعد مماطلة من السلطات الحاكمة، وعاد الأخَوان من جديد للانخراط في العمل الحزبي والنقابي، وكرّسا جهودهما لإعادة بناء نقابة الخياطين التي تعرضت للاضطهاد والتنكيل نتيجة اتجاهها التقدمي والديمقراطي.

لقد بقي هذان الأخَوان مرتبطين بقضية الطبقة العاملة طوال حياتيهما، وبقي إيمانهما راسخاً بالوطن والوطنية والعدالة الاجتماعية، ورغم ابتعادهما عن التنظيم، إلا أن إنسانيتهما وإيمانهما بمستقبل أفضل لم يفارقهما حتى النهاية. إن كفاح هذين الشقيقين مرتبط بكفاح الطبقة العاملة السورية ويدخل في تراثها الثرّ والمجيد من أجل مستقبل أفضل.

العدد 1105 - 01/5/2024