د. منير الحمش في ندوة جمعية العلوم الاقتصادية: التحولات في النظام الدولي

محاور عديدة وتساؤلات كثيرة طرحها الدكتور منير الحمش خلال الندوة جمعية العلوم الاقتصادية التي جاءت تحت عنوان (التحولات في النظام الدولي، تراجع الغرب وصعود روسيا والصين)، وقد تحدث الدكتور منير في بداية المحاضرة عن تحذير الجمعية في الأزمة وخلالها من تطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية المتطرفة، وإشارتها إلى ما قد ينجم عنه من تهديد للسلم الاجتماعي ومساس بحق الإنسان العربي لسوري في التنمية.

وأشار إلى أنه علينا أن نستمر في طرح المشكلات الاقتصادية ومعاناة المواطنين، والإرهاق والفساد والسياسات الاقتصادية الليبيرالية المتطرفة. كما أشار إلى أن البعض قد يظن أن هذا الموضوع خارج عن مشكلاتنا الاقتصادية، ولكنه في الحقيقة يمس جوهر العملية الاقتصادية، ولا يبتعد عن المعاناة الاقتصادية.

وقد أكد الدكتور الحمش أن المسار الذي سيصل إليه النظام الدولي معقد ومتشابك، وأن مصيره رهن بحصيلة من التفاعلات الراهنة بين جميع القوى الفاعلة في إطار العلاقات الدولية وتشابكاتها تحت تأثير التحولات الحاصلة والتغييرات العميقة في استراتيجيات القوى الفاعلة، وافرازاتها على ساحة السياسات الدولية.

وقد تناول الحمش خلال المحاضرة المحاور التالية:

المحور الأول هو تطور النظام الدولي وأطرافه المتفاعلة: فلكي نضع تطور النظام الدولي في صورته الحقيقية، علينا الأخذ بالاعتبار بعض النقاط كمقدمات ضرورية لفهم ما يجري على صعيد العلاقات الدولية وقيام النظام الدولي بتطوراته اللاحقة.

أما المحور الثاني فقد تناول أهم التحولات في النظام الدولي بعد الحرب الباردة أي بعد عام 1991، فقد كان ذلك العام حداً فاصلاً، بعد أن جرت أحداث مفصلية هامة تمثلت في انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك دوله وحلف وارسو، و انهيار جدار برلين وتوحيد الألمانيتين، و تفكك يوغوسلافيا وتقسيم تشيكوسلوفاكيا، وحرب إخراج العراق من الكويت.

المحور الثالث الذي تناوله الدكتور منير الحمش في محاضرته كان تراجع الغرب وصعود روسيا والصين، فقد أثارت مواقف الصين وروسيا المختلفة عن مواقف أوربا والولايات المتحدة خاصة في العديد من القضايا الهامة المطروحة في المحافل الدولية والإعلامية الكثير من التحليلات والتكهنات حول دور كل من الصين وروسيا، وتصاعد هذا الدور وتعاظم تأثيره في السياسات الدولية، وكان لتصويتهما المزدوج في مجلس الأمن لصالح سورية وضد المواقف الغربية- الأمريكية الأثر الكبير في إبراز دوريهما في صنع القرار الدولي وصعودهما في هيكل النظام الدولي، وقد رافق صعود الصين وروسيا وظهورهما كقوتين فاعلتين على الساحة الدولية بروز ظاهرتين في منتهى الأهمية، وهما: اتساع نطاق استخدام القوة المسلحة في إدارة النزاعات والصراعات، وظهور الفصائل المسلحة وإعطاؤها أدواراً تؤديها بالوكالة، والثاني هو تحول الصراعات والمشكلات والقضايا على اختلاف مستوياتها إلى ملفات مفتوحة ومتفجرة دون أفق واضح أو تسوية جزئية.

وأشار الدكتور الحمش إلى أن ذلك يلقي مسؤوليات إضافية على الدور الصيني-الروسي، الأمر الذي يضعه في دائرة الاهتمام وربما التحدي.

وتساءل الحمش: (هل يمكن اعتبار كلٍّ من الصين وروسيا كقوى عالمية في هيكل النظام الدولي بما يسمح لهما بالتحول إلى دور يضعهما في قمة هرم النظام الدولي أو إلى قطب دولي في إطار تحول نظام القطبية الأحادية إلى نظام تعددي؟).

وقد تساءل الدكتور منير أيضاً: ماذا عن مستقبل النظام الدولي؟؟ مستعرضاً بعض الإضاءات للوقوف على الوضع القائم للنظام الدولي باختصار من خلال عدد من الأحداث والمواقف.

وقد تبدى فشل النظام الدولي في الآونة الأخيرة، الذي يتربع على قمته مجلس الأمن حسب ما أشار الدكتور الحمش، في عدم قدرة الغرب على فرض قرارات من شأنها إدخال العالم في حرب جديدة في سورية على غرار ما جرى في العراق وليبيا وصولاً إلى حالة غير مسبوقة من الفوضى والدمار، وقد جرى ذلك في غفلة وبطرق ملتوية وغدر للدول الأخرى وخاصة الصين وروسيا، لكن هاتين الدولتين ومعهما دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن، قد أدركت أبعاد المشروع الغربي -الصهيوني ووقفت بحزم ضد هيمنة الغرب وسيطرته على النظام الدولي، كما كشفت كيف استخدم الغرب (الإرهاب) في دور وظيفي هادف لتنفيذ مخططاته، وعندما اكتشف الرأي العام الغربي ذلك،كان سبباً إضافياً لفقدان الثقة بالنظام والطبقة السياسية التي عبثت لسنوات في واقعه ومستقبله.

وأشار الدكتور منير الحمش إلى أن العديد من اللقاءات والمؤتمرات عقدت للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، إلا أن الغرب وعلى رأسه أمريكا والقوى الإقليمية المتحالفة معها وإسرائيل، كانوا دائماً يضعون العراقيل في طريق الحل السياسي، كما كانوا – على نحو أو آخر- يقدمون الدعم للقوى الإرهابية بهدف إلحاق أكبر ضرر ممكن بالبنى التحتية السورية وبالقوات المسلحة السورية والقوات الرديفة لها وبالمدنيين في المناطق التي تحميها الدولة.

مؤكداً أن ما يجري في سورية يمثل ساحة صراع جدي بين القوى العظمى، ويمكن أن تتضح ملامح النظام الدولي الجديد من خلال نتائج هذا الصراع، وإن كان يبدو أن مرحلة انتقالية طويلة سوف تمر قبل ذلك.

وفي نهاية المحاضرة أكد الدكتور الحمش أن النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية قد انتهى، إلا أن المرحلة الانتقالية التي سيتلوها نظام دولي تعددي سوف تطول، وستكون قاسية على البشرية بسبب تعنت الغرب وتمسكه بمصالحه وبعنصريته وتفوقه المزعوم، ما يجعلنا نعيش في حالة فوضى واضطراب وعدم استقرار إلى مدى غير منظور.

العدد 1105 - 01/5/2024