الاتجار بالنساء عنف صارخ في ظل الحرب

إن البعد الأساسي لظاهرة الاتجار بالنساء هو استخدام المرأة في تجارة الجنس بالدرجة الأولى، إضافة إلى ترويج المخدرات وأعمال مختلفة أخرى، وذلك تحت الضغط والتهديد من خلال عقود عمل أو زواج، بعد نقلهن من بلد إلى آخر وسلبهنّ حقوقهن كاملة. ويكمن وراء هذه الظاهرة حالة الفقر الذي تعيشه العديد من الأسر مما يدفع بالفتيات للبحث عن عمل، فيطرقن أبواب مكاتب التوظيف التي هي عادة ستارة للأعمال المشبوهة التي تحت غطائها تجري صفقات تجارة الرقيق الأبيض، وتتراوح أعمار الفتيات في هذه السوق بين 11 و30 عاماً وبأجر حوالي 1000 دولار شهرياً.

إن هذه الظاهرة من الممارسات الخطيرة التي تهز المجتمع. وهي كانت موجودة سابقاً ولكن لم تكن بهذا التنظيم والخطورة، فقد أصبحت تجارة تديرها عصابات منظمة، وهي تضاهي تجارة المخدرات ربحاً وتوسعاً. وقد تفاقمت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة التي ترافقت مع الحرب السورية، وهذه الظاهرة ورغم أنها تستشري في ظل تداعيات الحروب والمجاعات والأزمات الاقتصادية، فقد كان لها خلال الحرب السورية مظاهر أكثر فظاعة ووحشية، إذ حملت الحرب معها برنامجاً مخيفاً لمحو إنسانية الإنسان والمرأة كانت المتضرر الأكبر.

ففي سورية وفي ظل الحرب الدائرة منذ خمس سنوات ظهرت أشكال مختلفة لهذه التجارة تحت مسميات مختلفة تلتقي في مضمونها من حيث استباحة جسد المرأة بدون موافقتها تحت تهديد السيف والدين ومسح الدماغ وذلك لتلبية شهوات دنيوية، ولوضع قيود أمام انطلاقتها لإعادتها إلى حظيرة القمع والخوف، وللأسف إن استباحة الجسد البشري هي الأرخص والأكثر شيوعاً في ظل الحرب، وذلك في ظل غياب مؤسسات الدولة والقانون المنوط بها مكافحة هذه الظاهرة.

السؤال الملحّ الآن ما العمل للحد من هذه الظاهرة ومن آثارها المتعددة الأبعاد والآثار على جيل طحنته الحرب، فلم يعد يفكر بوضوح يسمح له اختيار طريق الصواب؟ أليس من الضروري النظر إليها كمشكلة اجتماعية خطيرة تزيد الحرب القائمة من تداعياتها وتوسعها لتمتد إلى جيل كامل؟ أليس من الضروري إيجاد مؤسسات وجمعيات تتناول تداعيات هذه الظاهرة وتعالج البعد النفسي لها في إطار الاستراتيجية الشاملة لمكافحة العنف الموجه ضد المرأة؟!

صحيح أن الدولة غارقة في حل بعض تداعيات الحرب وهي أولاً تأمين الغذاء والدواء في ظل الظروف الصعبة القائمة، وذلك إلى جانب المنظمات الدولية والأهلية العاملة في هذا السياق، ولكن هناك الكثيرات من نسائنا اللواتي دفعن ضريبة كبيرة مسّت استقرارهنّ النفسي وليس المعيشي فقط، وسيكُنّ غداً أمهات يفتقدن أبسط مقومات الأمومة التي سرقتها الحرب.

العدد 1105 - 01/5/2024