هل من أصابع أمريكية وراء الانقلاب في تركيا؟

 ربما لم تكن حادثة الانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان بالمفاجِئة، إذا ما تابعنا تطور الأحداث في تركيا خلال الشهرين الماضيين، تحديداً في سياسات أنقرة التي وصلت إلى درجة عالية من التمرد على التوازنات الدولية التي فرضتها العلاقة الروسية الأمريكية فيما يتعلق بالمسألة السورية. كما أن طبيعة العلاقة بين تركيا وأوربا حول موضوع الهجرة غير الشرعية وشبكة توريد الجهاديين والعناصر السلفية المُقاتلة من والى سورية، وما حملته من قيم لاأخلاقية ولاإنسانية على القوانين الدولية وحقوق الإنسان، وما بدأت تحمله من ضغط أمني وإرهابي شديد على أوربا، بدأت تشير إلى أن الرئيس التركي أصبح عبئاً ثقيلاً على مختلف الأطراف الغربية. هذا على الصعيد الخارجي لتركيا، أما على الصعيد الداخلي فالأمور تبدو أكثر تعقيداً. أولها الإخفاق في الرؤية الاستراتيجية لقيادة حزب العدالة والتنمية في مكاسب محتملة من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدا زخمه عملياً مع انطلاق (الربيع العربي) عام 2011 ووقوف القيادة التركية مع الإخوان المسلمين في كل من مصر وسورية وتونس وفلسطين.

لم تدرك تركيا أردوغان في حينه أن إعطاءها دور دعم الإخوان المسلمين في سورية سياسياً ودعم المجموعات الإسلامية الفاشية المسلحة لوجستياً وعسكرياً في عملية التدمير الممنهج لسورية، لا يعني أن يكون لها حصة موازية لما قامت به من هذه السياسات، لسبب بسيط هو أن الولايات المتحدة، باستثناء إسرائيل، لم تعطِ يوماً مكاسب لحلفائها، لأنها طالما اعتبرتهم أدوات، ومصر حسني مبارك وإيران الشاه خير دليل على ذلك.

في الواقع، كان مطلوباً من الدولة التركية إعادة تفعيل إرثها العثماني الشوفيني الدموي مرة جديدة بعد إبادات الأرمن والسريان مطلع القرن الماضي، لتأتي الولايات المتحدة وتحصد تشظي المنطقة ودمارها لصالحها. لقد استفاقت القيادة التركية على أن معايير المصلحة لواشنطن أن لا تتعامل مع المصلحة التركية إلا فيما يعنيها، وقد بدا هذا جلياً في تحالف الجيش الأمريكي مع المقاتلين الكُرد في سورية.

النتيجة المؤلمة، لهذا التعاون من الدعم الغربي عموماً، وليس الأمريكي فقط، هو نهوض المشروع الكردي، لتكتشف أنقرة أن الاعتبارات الحاسمة للغرب هو ليس فقط عدم السماح لتركيا أن تحقق أهدافها التوسعية العليا وتصبح دولة قادرة على صنع فضائها الجيوسياسي في الشرق الاوسط بمعزل عن الولايات المتحدة فحسب، بل تهديد كيانها الجغرافي برمته. مهمة تركيا بنظر الغرب أن تبقى تعمل لمصلحة المشروع الأمريكي في المنطقة كجزء (من جسر الديمقراطية)- على ماقاله هنري كسينجر، أحد عرّابي السياسة الخارجية الأمريكية. لذلك، هل يمكن القول إن الانقلاب الفاشل على الرئيس التركي أتى كمفتاح لسحب تركيا من نزوعها الإمبراطوري وإعادتها الى دورها المرسوم لها، والمهم طبعاً في استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة؟.

في الواقع وصل التباين بين الولايات المتحدة وتركيا إلى حدٍّ غير مسبوق، أصبحت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون متيقّنين أن حكومة العدالة والتنمية غير جدّية أبداً بمعالجة قضية المهاجرين عبر أراضيها إلى أوربا، لا بل أكثر من ذلك، تعطي تركيا هذه الورقة أهمية كبيرة في ابتزاز الغرب مادياً وسياسياً على شكل دور ما لها في سورية، وترى الولايات المتحدة، بالاتفاق مع روسيا، أن أضمن طريقة لإغلاق الحدود السورية بوجه المهاجرين نحو أوربا والإرهابيين نحو سورية على حد سواء، هو إغلاق الحدود السورية من الجانب السوري وليس من الجانب التركي، وبمساعدة حلفائها الكُرد.

إن تفضيل الولايات المتحدة إغلاق الحدود السورية من الجانب السوري والسير قُدماً بدعم الكُرد غرب الفرات أثار حفيظة تركيا وألقى شكوكاً كبيرة على إمكانية أن تلتزم أنقرة بنجاح أي اتفاق روسي أمريكي مُحتمَل حول سورية، وهذا يمس بالعمق المصالح الأمريكية في المنطقة. بالتالي أصبح أردوغان عبئاً ثقيلاً، أولاً على الاتحاد الأوربي بعد أزمة اللاجئين والأمن في داخل أوربا، وثانياً على استراتيجية إدارة الرئيس أوباما مع روسيا في الملف السوري. بالتالي يبدو السيناريو الأفضل هو إخراج الرئيس التركي من لعبة صراع المصالح الكبرى على المنطقة. من هنا نفترض أن الانقلاب الفاشل على الرئيس التركي ربما تكون خلفه أصابع أمريكية، أو على الأقل اطلاع مُسبق عليه، إذ إن الإطاحة بأردوغان من السلطة فيما لو كان قد نجح، لا تعني خسارة تركيا كحليف هام للولايات المتحدة، بل تجاوز لعائق حاسم وصلت فيه الأمور إلى أن شخصيته (الموسولينية)، قد أصبحت عائقاً لتنفيذ أي استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة وتحتّم خروجه من لعبة الصراع في سورية.

العدد 1105 - 01/5/2024