أعطونا خبزنا.. كفاف يومنا!

ليس من يكتب بالقلم ويسمع صريره كمن يكتب بالقلب ودمائه، وليس السكوت الذي يحدثه الملل والكآبة كما السكوت الذي يوجده ويخلقه الألم.. وليس أنين الروح في لحظات الوجد كما أنينها عندما تتجلى الشياطين والسكاكين والبارود فتعمي تلك الروح وتنخرها كنخر الدود لجسد الموتى.. وليس لسكوت فقراء سورية سوى إدراكهم أن آذان العالم وأهواءه الشيطانية قد انصرفت عن همس الضعفاء وأنينهم إلى مجارف الهاوية.. يقولون لنا إن نكبة بلادكم ودمارها ليست إلا جزءاً من نكبات العالم، وما الدموع والدماء والخراب والموت سوى قطرات من محيطات البلاء للبلدان الأخرى! أما نحن- السوريين- فنقول لهم إن نكبة بلدنا جريمة حبلت بها رؤوس الأفاعي.. نكبة بلدنا مأساة خرساء في زمن الثرثرة والفراغ.. وجع يدمي في فم رجل أخرس.. وفي ظلام ليلنا الحالك تنادي الأفواه الجائعة يا حكومتنا..

يا حكومة الحرب التي يفترض أن تدير الأزمات في ظل الظروف العصيبة التي نمر بها، شعبكم جائع والجوع، كما قيل عنه سابقاً، كافر ابن كافر حفيد كافر وأبناؤه في كل العصور والأزمنة كفار لا دين ولا طائفة لهم ولا ينتمون حتى لمعشر الأبالسة، خلقوا هكذا على دين الكفر، الجوع كافر وقد وصلت درجة استهتاركم بمواطنيكم إلى حد خلق أزمة الخبز.. بقي في قاموسكم أزمة الهواء.. اخترعوا آلة لشفط الهواء وحينذاك تُجهزون على فقراء سورية فلا حياة بلا هواء… يموت السوريون في البلد التي تدرّ قمحاً ولبناً وقطناً..

يموت السوريون في هده الأيام لا من غدر القذائف والرصاص الطائش، بل من شظايا حقد قلوب التجار وكبار الفاسدين، وآخر ما تفتق عنه تفننهم في إيلام أبناء وطنهم وصل إلى تقليص مخصصات الأفران إلى حد 30% لتُخلق أزمة ليست كما باقي الأزمات.. أزمة هي جوهر عيش الفقير الذي بات يعتمد على رغيف الخبز لسد الرمق بعد غلاء اللحوم والحبوب والفواكه..يحدث في هده الأثناء أزمات على الأفران وخاصة في دمشق، هذه الأزمات يغرق فيها المواطن ويغوص أكثر فأكثر في الأوحال ومستنقعات البعوض، مستنقعات خلقها المستفيد الأكبر من تجويع الشعب لإخراجه عن طوره وخلق فوضى يصعب التحكم بها.. هنالك أناس يدرسون غليان الشارع السوري نتيجة الحرب والغلاء فيزيدون المعاناة معاناة، صار مؤكداً أن أسلوبهم يتوافق مع أهواء من يدمر سورية من الخارج، وقد لاقى تناغماً وإيقاعاً على العزف فوق رماد النفوس المحترقة جوعاً وكمداً.. ما مبرر أزمة الخبز التي بدأت ولن تنتهي؟..

ما مبرر أن تتقلص مخصصات الأفران في بحر الغلاء هذا؟ ليخرج علينا مسؤول يبرر لنا ما سبب أزمة الخبز.. والخبز بات رفيق الفقراء الدائم، أم أن هذه الصداقة بين الفقير والرغيف هي صداقة غير مرغوب فيها ويرى مسببو الأزمة أنه يجب طعنها وتفتيتها؟ تبقى الدعوات في نهاية كل صلاة: يا رب.. أعطنا خبزنا كفاف يومنا! أما السوري فماذا ستكون اليوم دعوته؟!

العدد 1107 - 22/5/2024