تضارب مصالح

العاصفة التي أثارها القرار الأخير بتشميل مادة الأقمشة ضمن مستلزمات الإنتاج واستفادتها من التخفيض الممنوح بموجب المرسوم رقم 172 المتضمن تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 50 بالمئة على المواد الأولية ومدخلات الإنتاج اللازمة للصناعات المحلية، تعطي مثالاً إضافياً جديداً على الآلية غير الصحيحة التي يجري فيها اتخاذ القرار وتنفيذه في العديد من المجالات.

فبعد مرور أكثر من شهر على صدور المرسوم رقم 172، صدرت تعليمات تنفيذه التي أثارت عاصفة من الخلاف الصارخ والكبير، شمل من ناحية الصناعيين المنتجين للأقمشة بأنواعها المختلفة، ومن ينتج الألبسة ومن ضمنهم التجار المستوردون لهذه المادة.

الفريق الأول رأى في هذا التشميل تهديداً لصناعة النسيج في سورية، وفي هذا الوقت بالذات الذي لا يمكن فيه لهذه الصناعة أن تواجه الأقمشة المستوردة، بسبب ارتفاع تكاليف المنتج المحلي، ودعم الدول الأخرى لمنتجي هذه المادة لديها ومصدريها، إضافة إلى حالات التلاعب المعروفة في مواصفات هذه المادة وأسعارها عند استيرادها، والأساليب الأخرى المعروفة في هذا المجال.

في الوقت الذي رأى فيه الفريق الثاني فرصة لإنتاج ألبسة بنوعية جيدة، وبأسعار منافسة، في ظل عدم كفاية الإنتاج المحلي سواء من حيث الكم أو النوع، في الوقت الذي يقوم فريق ثالث وهو بين الفريقين بتدوير الزوايا بأن يكون هذا الإجراء مؤقتاً ولفترة قصيرة، يجري بعدها إعادة النظر فيه، على أن تُعدَّل الأسعار الاسترشادية للأقمشة بأنواعها، وهو ما كان مثار خلاف حاد بين الأطراف المعنية.

تناقض المصالح بين الصناعيين أنفسهم من ناحية، وبينهم وبين التجار المستوردين ليس جديداً، فمنتج الغزول ليس من مصلحته السماح باستيرادها، وهذا يتناقض مع مصلحة منتجي المنسوجات الذين لا يحبذون استيراد الأقمشة التي يطالب بها منتجو الألبسة، وفي الوقت ذاته يرى عدد من التجار أن حماية الصناعات النسيجية أدت إلى ارتفاع أسعارها داخلياً، في حين يمكن استيرادها بأسعار أدنى بكثير.

الاجتماعات الطويلة والساخنة التي عقدت لمناقشة هذا القرار تؤكد من جديد أنه ليس من الجائز إصدار قرار بهذا المستوى من الضرورة والأهمية، قبل دراسته دراسة متعمقة وشاملة، بمشاركة المعنيين به والتوافق على مضمونه من قبلهم، مع مراعاة مصلحة الاقتصاد الوطني، ونحن نقول معظمهم لأنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إصدار قرار يخدم مصلحة كل هذه الأطراف المعنية ولا يلحق ضرراً كبيراً في مصلحة الباقين، الأمر الذي يتطلب دراسة الحاجة الفعلية من مادة الأقمشة، ومدى توفرها داخلياً، وتطبيق التخفيض للأقمشة غير المتوفرة محلياً، أو لا تسد كامل احتياجات معامل الألبسة لفترة قصيرة، مع مراجعة موضوع الأسعار الاسترشادية وتحديدها بشكل عادل ومنصف، واتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة للحيلولة – كالعادة– دون الالتفاف على ذلك آخذين بعين الاعتبار وجود حالات مماثلة لمشكلة الأقمشة يمكن أن تحدث في الصناعات الغذائية والكيميائية والهندسية الأخرى.

العدد 1105 - 01/5/2024