المخرج فهد ميري: أحلامي سينمائية.. أعمالي تلفزيونية

 أعماله تتحدث عنه بعد أن تركت بصمة وأثراً، فإذا قلنا (قبل الغروب) ارتبطت أذهاننا مباشرة بعمل مميز لاقى نجاحاً كبيراً تصدى له أهم نجوم الدراما السورية، عمل متكامل من كل الجهات نصاً وتمثيلاً وإخراجاً، وإذا قلنا (بلا غمد) استذكرنا الحس الوطني بأهم أعمال الدراما السورية التي لامست وجع المواطن السوري وبلسمت جراحه، تصدى لها بنجاح وقوة، إنه المخرج فهد ميري الذي قّلت أعماله كماً وتميزت نوعاً، يغيب ويعود ليفاجئ جمهوره بعمل ذي بصمة خاصة تقترن بجهد كبير، ونص تمت كتابته بعناية ودقة. عن كل ما أنجزه وما يخبئه من طموحات فنية كان لنا معه هذا الحوار.

* تميز مسلسلك الأخير (بلا غمد) بإقبال جماهيري واسع، آراء إيجابية، حتى بعد عرضه مرة ثانية على الشاشات، في حين أعمال أخرى لم تلقَ هذا القبول فما الذي يميز هذا العمل؟

** العمل معاصر يتكلم عن بدايات الحرب السورية وتأثيرها على المجتمع السوري وقد لاقى إقبالاً كبيراً، لأنه تناول الطابع الاستخباراتي التشويقي وتوظيف ذلك بدوره الأساسي في محاربة الفكر التكفيري والوهابي الصهيوأمريكي الموجود في المنطقة من خلال الدول التي تشارك بالحرب على سورية والتي جرى التصريح عنها بكل وسائل الإعلام، وأنا اشكر كل من تابع عملنا وساهم بنجاحه.

* عندما نذكر اسم إحدى مسلسلاتك وهو (باب المراد) يتبادر إلى أذهاننا سؤال لماذا صوّر العمل في إيران؟ والسؤال الأهم لماذا لم يعرض في سورية؟ ماذا تحدثنا عن تفاصيل ذلك؟

** العمل يحكي عن فترة ما بعد موت (هارون الرشيد) والصراع على السلطة بين (المأمون والأمين)، لكن فكرته الأساسية كانت عن الصراع بين العالم المادي المتمثل بين المأمون والأمين، والعالم المعنوي المتمثل بالإمام الرضا والإمام الجواد، نحن كنا نعالج هذه الفكرة (فكرة الروحانيات والماديات)، صوّر في إيران وكان لنا الشرف في ذلك طبعاً، والسبب أن الظروف اللوجستية لم تكن مناسبة للتصوير في سورية بينما الإمكانيات هائلة جداً في المدن السينمائية بإيران والتكنولوجيا ومستلزمات التصوير متوفرة كاملة، لقد استمتعنا بالتصوير في ثلاث مدن سينمائية بطهران، وهذا الأمر كان مهماً جداً بالنسبة لنا وأهميته تعود لأننا أول (كاست) يقتحم مجال التصوير في إيران وبمشاركة ممثلين من ست دول عربية (البحرين وإيران والكويت وسورية ولبنان والعراق) العمل ربما كان له طابع ديني، لذلك آثرت بعض المحطات ألا تعرضه، رغم أننا كنا حريصين كل الحرص ألا نأتي بشيء غير موثق، لاحقنا وقائع تاريخية معينة دون المساس بأي طرف، كنا واقعيين ومنطقيين تماماً وأمينيين على التاريخ، عرض العمل في محطات عراقية وفي الكويت، لكنه لم يعرض في سورية، لوجود قرار منذ عام 2001 بعدم عرض أي عمل ديني حفاظاً على عدم التجييش، وأنا قد أكون مع هذا القرار وأؤيده بالرغم من أن العمل لا يحمل هذه الصفات بل كان تاريخياً محضاً متمثلاً بشخصية الأمين الذي قال مقولته الشهيرة: (أنا لا أريد الملك) والمأمون الذي كان يريد بناء دولة على طريقته بغض النظر عن الوسيلة، في النهاية العمل كان تجربة مهمة كثيراً على الصعيد الإنتاجي والإخراجي، ومن الجدير بالذكر أن تصويره استغرق خمسة أشهر فقط، رغم ضخامته، لذلك أعتبره من أهم الأعمال التي أخرجتها.

* إذا عدنا لأول مسلسل أخرجته وبداياتك، ماذا تحدثنا عنها؟

** بدأت العمل في الإخراج عام 1990 بالفيلم التلفزيوني (الشرخ) المقتبس من (جبرا إبراهيم جبرا) ثم سافرت للخليج وعملت بشركة (آرا) لمدة أربع سنوات، وبعد عودتي لسورية أخرجت مسلسل (قبل الغروب) لنجيب نصير وحسن سامي يوسف، الذي حقق نقلة نوعية في مسيرتي الإخراجية باعتباره كان يعالج الداخل الإنساني والنفس البشرية في العمق، وكان ينتقل من الهم الخاص إلى الهم العام، وقد حظي هذا العمل بالكثير من الترحيب بوسائل الإعلام والمشاهدة الكبيرة.

* طموحاتك سينمائية، لكننا نلاحظ أن أعمالك تلفزيونية، ما السبب؟

** نعم صحيح، أحلامي سينمائية أعمالي تلفزيونية، السينما كانت وستظل عشقي الأول والأخير، ولا أنسى فيلم (الطحالب) الذي عملت فيه مخرجاً منفذاً، وكان من إخراج الصديق ريمون بطرس، والذي تعود أهميته بالنسبة لي لكوني خريج معهد السينما بموسكو، أي مخرج يحلم بالسينما لكن السينما في سورية ربما محتكرة؟ ربما ضعيفة؟ رغم وجود أفلام أخذت مكانة وصدى بالوطن العربي، لكني شعرت في وقت ما أني سآخذ فرصة عمل غيري، لأن المخرجين كانوا ينتظرون خمس سنوات لكي يؤخذ لهم عمل. طبعاً أنا أتحدث عن عشر سنوات ماضية، لذلك لم أسعَ للسينما، وبقي حلمي السينمائي مرتبطاً بظروف المستقبل وفرص إنتاجية أخرى، أتأمل أن تكون أفضل، وهذا سبب توجهي للساحة الدرامية.

* صناعة الفن بشكل عام في سورية تأثرت بما يحدث من ظروف وأزمة بعد أن كانت سورية استديو مفتوحاً لكل المخرجين، هل تحدثنا عن معاناة اليوم وكيف تصف العمل في سورية حالياً؟

** الظروف اختلفت طبعاً بعد الحرب وأثرت على كل مناحي الحياة في سورية وكل الشرائح وكل المهن، لكننا نتميز بأننا شعب صامد، شعب يعمل، ويجب ألا تتوقف الحياة، سنعمل وستسمر الحياة، لأن الشعب مصمم أن يعيش وهو لا يكف أن يحلم بحياة أفضل، والدليل على المستوى الفني مثلاً أن أعمالنا لهذا العام فاقت الثلاثين مسلسلاً، هذا يدل على الاستمرارية وعلى صحة الدراما رغم انحدار بعض الأعمال لكن هذا طبيعي بسبب الظروف الاقتصادية.

* البعض يلوم بعض الفنانين الذين تركوا البلد وهاجروا، والبعض الآخر يقول لا يمكنك أن تلقي اللوم على أحد، لأن كل شخص يبحث عن رزقه، ما رأيك بذلك؟

** بالنهاية هذا خيار شخصي.. أحد الممثلين قال أنا عندي فوبيا من الحرب لا أستطيع أن أعيش في هذا الجو، لكن قناعتي تقول: من ليس به خير لبلده لن يكون به خير لأي بلد آخر.. الوطن أحوج إلينا الآن أكثر من أي وقت مضى، وهذا رأيي الشخصي، أنا لست بموقع تقييم من رحلوا لكل ظروفه، لكن أقول من رحل بحسن نية له العذر، أما من رحل بسوء نية وليسيء للوطن فأنا ضده، وأقول له اذهب ولا تعود لأن الوطن ليس بحاجة إلى أمثالك.. أنا منتمٍ لبلدي، ومن دون انتماء هناك وجع ومشكلة حقيقية.

* كلمة أخيرة؟

** نحن بحالة بحث دائم عن ظروف أفضل وإمكانيات أحسن ومحاور جديدة للعمل، وسورية تعيش الآن بأفضل من المرحلة السابقة درامياً ومعنوياً وفكرياً، وأعتقد أن القادم أجمل هذا أملي وإيماني، وأتمنى أن تكون أعمالنا بقدر صمودنا ومقاومتنا وإيماننا بوطننا وجيشنا.

حوار: ريما الزغيّر

العدد 1105 - 01/5/2024