رحيل القائد التاريخي فيدل كاسترو

غيّب الموت في السادس والعشرين من تشرين الثاني 2016 قائداً تاريخياً عملاقاً، قارع أمريكا وواجهها بثبات مدة نصف قرن من الزمن.. انتهت رحلة فيدل كاسترو الطويلة، بعد أن نجا من 683 محاولة اغتيال دبرتها المخابرات الأمريكية ضده، حسبما صرح به أحد الوزراء الكوبيين مؤخراً، وتنوعت هذه المحاولات ما بين محاولات قتله قنصاً، وما بين حشو سيجاره الخاص بالمتفجرات، ودس السموم في كأس البيرة، وغيرها وغيرها الكثير من الوسائل والطرق القذرة التي باءت كلها بالفشل.

لقد ظهر كاسترو علناً في عيد ميلاده التسعين في شهر آب الماضي إلى جانب أخيه راؤول والرئيس الفنزويلي مادورو، وجاءت وفاته بعد مرور ثلاثة أشهر على احتفالات كوبا بعيد ميلاده التسعين، إذ أقيمت احتفالات حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف، واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وتزامنت مع كرنفال هافانا السنوي.

من هو فيدل كاسترو؟

ولد في 13 آب عام 1926 في مقاطعة أورينت جنوب شرق كوبا لعائلة تشتهر بالزراعة وتجارة الأراضي.. تعلم في مدارس كوبية حتى تخرجه في جامعة هافانا – كلية الحقوق عام 1950 بعد حصوله على شهادة دكتوراه في القانون.

عمل في المحاماة قليلاً، وكان ينوي الترشح في الانتخابات البرلمانية، إلا أن الانقلاب العسكري الذي قام به فولغنيسو باتيستا ألغى تلك الانتخابات، وأقام في كوبا حكم نظام ديكتاتوري مدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، قيّد حرية الصحافة والإعلام ولاحق المعارضين.. من هنا دبّت روح الثورة في كاسترو وبدأ بتشكيل قوة ثورية لمهاجمة إحدى الثكنات العسكرية، إلا أن ذلك الهجوم باء بالفشل وأدى إلى مقتل 80 من أتباعه، كما ألقي القبض عليه وحكم بالسجن لمدة 15 عاماً، إلا أنه أفرج عنه بعد عامين في أيار 1955.

سافر فيدل كاسترو إلى المكسيك بعد إطلاق سراحه، خوفاً من عيون المخابرات الأمريكية التي كانت تتعقبه، وهناك اجتمع مع رفاقه وعلى رأسهم أخوه راؤول كاسترو للتخطيط للثورة وإسقاط نظام حكم باتيستا وإنهاء الهيمنة الأمريكية على كوبا، وبعد الانتهاء من التدريب أبحر كاسترو ورفاقه إلى كوبا وأشعلوا فتيل الثورة التي لاقت تأييداً شعبياً هائلاً، كما انضم إلى صفوفها عدد كبير من أفراد القوات المسلحة الكوبية، الأمر الذي مكّن كاسترو من إسقاط نظام باتيستا الديكتاتوري الذي هرب إلى الخارج في كانون الثاني 1959.

بعد الإطاحة بنظام باتيستا، تسلم كاسترو السلطة في البلاد، وتحولت كوبا إلى دولة تعتنق الشيوعية، ما أغضب الولايات المتحدة وجعلها تصمم على انتزاع الحكم من كاسترو بأية طريقة.

لقد حكم كاسترو كوبا قرابة خمسين عاماً، شهد فيها صعود 10 رؤساء أمريكيين، ورحيلهم، جميعهم ناصبوه العداء والكراهية، وحاولوا مراراً – كما أسلفنا- اغتياله.. ولما فشلت جميع محاولات اغتياله أو إسقاط نظام حكمه، حاصرته الولايات المتحدة اقتصادياً لتضييق الخناق على الشعب الكوبي ودفعه للثورة ضد كاسترو، لكن ذلك تكلل بالفشل الذريع أيضاً.

هنا لجأت واشنطن إلى التدخل العسكري المباشر في معركة خليج الخنازير عام 1961 التي شنتها على كوبا للاستيلاء عليها، فقد دربت السي اي يي مجموعات المرتزقة المأجورين والكوبيين المتغيبين في غواتيمالا لاستخدامهم في وجه كاسترو والثورة الكوبية. وتم اعتماد خليج الخنازير ليكون ساحة للمعركة.. وفي 17 نيسان 1961 بدأ الغزو الأمريكي البربري، والتقت قوات الغزو هذه بقوات الحكومة الكوبية، ولكن في غضون ساعات، سحقت القوات الحكومية الكوبية القوات الأمريكية وأنزلت بها هزيمة ساحقة، بعد أن كانت قد قامت باستعدادات كوبية مسبقة لمواجهة الغزو، بناء على تسريب أخبار الهجوم عن طريق المخابرات السوفييتية.

وفي 18 شباط عام 2008 استقال فيدل كاسترو من منصبي الرئاسة ورئاسة أركان الجيش بسبب مرضه الذي دام ما يقارب عشرين شهراً، وترك الحكم لأخيه راؤول كاسترو.

على أية حال إن الرمزية الكفاحية للقائد الرمز فيدل كاسترو ستظل حية في وجدان الشعوب الحرة المناضلة والمكافحة، وإن كوبا ستبقى على مبادئها الثورية التحررية وعلى نهج قائد الثورة.

العدد 1105 - 01/5/2024