الذكرى المئوية لشهداء السادس من أيار.. التضحية من أجل وطن..

 في ذكرى السادس من أيار، يتوقف المتأمل ملياً أمام يوم يختصر تاريخ شعب بأكمله، تاريخ شعب امتلأت لحظات وجوده الطويل على هذه الأرض، بمرارات وعذابات لا حصر لها، غزوات واحتلال، ثورات وانتفاضات، وتمرد مستمر حتى الثمالة، تاريخ شعب أبي لم يبتلع ثمرة الظلم، ولم يقبل قيد العبودية أو الاستعمار، ولم يهادن محتلاً أو ظالماً. لقد كانت هذه الأرض على الدوام مأوى الثوار، ومخزن الأحرار، ويوم السادس من أيار يختزن في رمزيته كل ما ذكرنا، وما سنذكر. في السادس من أيار، منذ مئة عام، علق السفاح جمال رقاب الأحرار من نخبة المثقفين والسياسيين العرب في دمشق وبيروت على أعواد المشانق، ولكنه لم يتمكن من أن يطفئ حمية هذا الشعب وشعلته الملتهبة، فإذا به ينتفض في كل مكان مطلقاً صرخة الحرية.

الإعدامات الجماعية

وقد ساق السفاح للمناضلين العرب مختلف التهم، من التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية، إلى العمل على الانفصال عن الدولة العثمانية، وهو ما يقال إنه ما كان يسعى هو بنفسه إليه، وأخيراً توج عمله هذا بجريمته التي نفذها في السادس من أيار عام ،1916 عندما أعدم 21 مناضلاً ومثقفاً عربياً في كل من بيروت ودمشق، بعد أن أحال ملفاتهم إلى المحكمة العرفية، حيث أديرت المحاكمة بقسوة وظلم شديدين، ودون أن تحقق أدنى معايير المحاكمات العادلة والقانونية، صامّاً أذنيه عن جميع المناشدات والتدخلات التي سعت لإطلاق سراحهم.

شهداء السادس من أيار في دمشق

غادر عاليه في الخامس من شهر أيار 1916 قطار محمل بكوكبة من المثقفين والمناضلين تحت حراسة شديدة، ولما وصل القطار إلى مدينة رياق، التقى بقطار محمل بعائلاتهم إلى المنفى في أراضي الأناضول، وكان مشهد اللقاء والوداع مؤلماً مريراً، وقد افترق القطاران بعد ذلك إلى دمشق وحلب، ولما وصل قطار الشهداء إلى محطة البرامكة، منع الجنود الناس من مشاهدتهم، ثم نقلوهم إلى دائرة الشرطة.

أنيرت ساحة المرجة في الساعة الثالثة من صباح يوم 6 أيار بالأنوار الكهربائية، كما أمرت السلطة العسكرية صاحب مقهى زهرة دمشق بإنارة المصابيح لتسطع بنورها على الساحة، ووقف جمال باشا على شرفة بناية أحمد عزت العابد ليراقب عملية الإعدام، وقد تم إعدام سبعة من الشهداء وهم حسب ترتيب التسلسل في إعدامهم:

الشهيد البطل شفيق المؤيد العظم

ولد في دمشق ،1857 وتلقى تعليمه الأول في كتاتيبها، ثم تابع تعليمه في بيروت وعمل فيها، وكان معاون مدير في قلم الدفاتر في سورية، ومترجماً في القصر السلطاني، ثم مندوباً للدولة في صندوق الدين التركي، وكان عضواً بارزاً في مجلس النواب، وله فيه وقائع مشهورة ضد زعماء جمعية الاتحاد والترقي.

الشهيد البطل عبد الوهاب الإنكليزي

ولد في قرية المليحة بغوطة دمشق عام ،1878 ولقب بالمليحي، أما اسم بالإنكليزي فسببه أن جده الرابع كان عصبي المزاج، وكان يقال له: (إنك مثل البارود الإنكليزي) فغلبت عليه هذه النسبة، تعلم في دمشق، ودرس الحقوق في الأستانة، عيّن قائم مقام في إحدى مناطق ولاية حلب، ومفتشاً للإدارة الملكية في بيروت وبروسة، كما عمل في المحاماة.

الشهيد البطل الأمير عمر الجزائري

وهو حفيد الأمير عبد القادر الجزائري الشهير، ولد في دمشق ،1871 وقد شنق بالرغم من أنه كان بعيداً عن السياسة، استدعاه جمال باشا إلى القدس، وحوله إلى ديوان الحكم العرفي بتهمة أنه كان واسطة التعارف بين شكري العسلي وعبد الوهاب الإنكليزي وقنصل فرنسا، وفي 14 آذار سجن جمال باشا الأمير علي الجزائري شقيق الفقيد وأوقفه مع ولده حتى يتم تنفيذ الحكم، وبعد إعدامه صادر جمال باشا أملاكه ومنها قصره في دمر، وقد جعله السفاح مستوصفاً للضباط.

الشهيد البطل شكري العسلي

ولد بدمشق 1868 وكان عضواً في مجلس الأعيان ومفتشاً سلطانياً، تلقى تعليمه الأول في المدرسة البطريركية ثم في المدرسة البستانية، قبل أن يتابع تعليمه في المدرسة الكلية الأمريكية في بيروت، وأتم دراسته العليا في المدرسة الملكية في الأستانة، وعمل إدارياً في حكومة دمشق. انتخب عضواً في مجلس المبعوثان وعرف بخطاباته دفاعاً عن الأمة العربية ومعارضة التتريك.

الشهيد البطل رفيق رزق سلوم

ولد في حمص عام ،1891 درس في حمص وبيروت والأستانة، مؤلف كتاب (حياة البلاد في علم الاقتصاد)، وكتاب (حقوق الدولة)، وجاء في 800 صفحة ولم يطبعه، وألف رواية سماها (أمراض العصر الجديد)، وكان حقوقياً مارس الصحافة وتدريس اللغات الأجنبية (الروسية- اليونانية- التركية)، كان عضواً في الجمعية القحطانية، كما ساهم بتأسيس جمعية العهد، وكانت جريمته كتابة الشعر الحماسي لتهييج أبناء وطنه ودعوتهم للمطالبة بالاستقلال.

الشهيد البطل الشيخ عبد الحميد الزهراوي

ولد في حمص 1855,، ودرس في كتاتيب حمص ثم في المدرسة الرشيدية، ومدرسة المعارف، كان طالباً متفوقاً فاق أقرانه وتقدم رفاقه وأترابه في الدرس والتحصيل، وتابع تحصيله العلمي في الآستانة والقاهرة، عمل في الصحافة، وأصدر جريدة(المنير) في حمص، ولكن السلطات العثمانية ما لبثت أن أوقفت هذه الصحيفة، فسافر الزهراوي إلى الآستانة وعمل هنالك في صحيفة معلومات، انتخب سنة 1908 في مجلس الأعيان (المبعوثان)، وترأس المؤتمر العربي في باريس سنة 1913.

الشهيد البطل رشدي الشمعة

ولد بدمشق ،1856 وهو وجيه دمشقي مشهور بمكارم الأخلاق، درس في اسطنبول الأدب والقانون، وشغل منصب رئيس كتاب مجلس إدارة الولاية والمدعي العام للمجلس، انتخب نائباً عن دمشق في مجلس الأعيان (المبعوثان)، وهناك دعا لمكافحة سياسية التتريك والدفاع عن الثقافة العربية.

الشعب العربي في سورية يستذكر شهداء السادس من أيار، ويحتفل كل عام باستشهادهم، وأُطلق اسم (ساحة الشهداء) على كل من ساحة المرجة في دمشق، وساحة البرج في بيروت، اللتين شهدتا هذه المجزرة المروعة.

 إلا أن إقرار المناسبة رسمياً للاحتفال في السادس من أيار يوماً لكل الشهداء فقد اعتُمد في عام ،1937 على الرغم من محاولة سلطات الانتداب الفرنسي عرقلة ذلك لما فيه من تثبيت لروح التضحية والإباء في سبيل الوطن، ومنذ ذلك الحين والسادس من أيار مناسبة لاستذكار جميع الشهداء وتضحياتهم العظيمة في سبيل الوطن والحرية.

استمرت نضالات الشعب السوري قبل الاستقلال، وبعد طرد المحتل الفرنسي، ومن أجل بناء دولته والدفـــاع عنها بعد ذلك في مواجهة اعتداءات العدو الصهيوني، وقدم شعبنا آلاف الشهداء كي تبقى سورية عزيزة الجانب..موفورة الكرامة، في الخامس من حزيران ،1967 وفي حرب تشرين الوطنية عام ،1973 ومقاومة غزو الصهاينة للبنان في ثمانينيات القرن الماضي.

واليوم ومنذ اندلاع الأزمة السورية التي هددت استقرار الوطن..وعصفت بأمن المواطنين السوريين، سالت دماء الكثيرين، خاصة بعد الغزو الإرهابي الذي شنته على سورية أفظع  مجموعات الإرهاب إجراماً وفاشية، وسقط عشرات الألوف من أبناء الشعب السوري شهداء لإرهاب إقصائي أسود..

المجد.. والخلود لأرواح شهداء سورية..أبناء الشعب السوري العظيم. ولتتوحد الجهود من أجل وقف الحرب في سورية،ومن أجل إنجاح المساعي السلمية لإنهاء الأزمة الكارثية، والحفاظ على بلادنا.. ووحدتها، وتآلف مكوناتها الاجتماعية والدينية والإثنية.

العدد 1105 - 01/5/2024