مقاربة بين (حلف بغداد) 1955 و(مبادرة الرياض) 2017 (2)

تشير عقود بيع السلاح الخيالية التي تجاوزت 110 مليار دولار التي وقعتها واشنطن مع الرياض، في الوقت الذي تطبّق فيها هذه الأخيرة سياسات ضبط وتقشف حكومي ضمن مشروع (رؤية 2030)، إلى أن مهمة هذا الحلف هي مواجهة أطراف أخرى، بالتأكيد هي إيران، على قاعدة تسعير مذهبي، وروسيا على قاعدة استنزافها لتصبح تكاليف بقائها في الشرق الأوسط أعلى من تكاليف خروجها، هنا يُفرَض على الروس مرّة أخرى السيناريو الأفغاني.

وعن تفاصيل الاتفاقات الموقعة، إذا ما قارنّاها ببيان دالاس خلال خمسينيات القرن الماضي نجد أن أحد أهم أركان هذه المقاربة هو حضور الدورة الاقتصادية للشركات الأمريكية المختلفة، في مقدمتها شركات صناعة السلاح، إذ شملت صفقات 2017 أنظمة دفاع صاروخية من طراز (ثاد)، ورادارات متطورة قادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية، وسفن حربية متطورة، وطائرات من دون طيار، وقنابل موجهة وذخائر، وناقلات جنود مصفحة، على أن تُسلَّم على مدى 10 سنوات، مع إمكانية أن تُمنح الرياض الترخيص للتصنيع وتجميع بعض أنواع الأسلحة والمعدات. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن كل هذه الصفقات والتسهيلات ستبقى دون خط التفوق الإسرائيلي العسكري في المنطقة، وللمفارقة أيضاً لم تستخدم السعودية قواها العسكرية منذ إنشائها إلا في مناطق محدودة جُلّها عربية!. كما ستمنح الرياض 19 شركة أمريكية تراخيص للاستثمار في المملكة بملكية كاملة في قطاعات الدواء والصناعات التحويلية والمقاولات والنقل والخدمات اللوجستية والخدمات المصرفية والإلكترونية والواقع الافتراضي ومجالات الاستشارات.

من الخطأ الاعتقاد، كما حاولت نشره بعض المواقع المعادية لسياسات المملكة العربية السعودية، أن زيارة ترامب هي للاستحواذ على موارد النفط السعودية، فهذا غير واقعي بالمجمل، والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة على المستوى الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي لحلفائها في منطقة الشرق الأوسط هو للتحكم بأسعار النفط، وضمان بقاء ممرات الشحن أكثر منه للاستحواذ عليه، ذلك أن (الاستقلال المتنامي للولايات المتحدة في مجال الطاقة سيجعلها أقل قلقاً حول الشرق الأوسط، ويمكنها تحويل المزيد من الاهتمام نحو أماكن أخرى من العالم)، هذا بحسب ما قاله الخبير پاتريك كلاوسون من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بمعنى آخر تناور واشنطن بشكل مستمر للتحكم بأسواق النفط العالمية، وذلك لأن اقتصاد روسيا الذي يعتمد حوالي 40% منه على النفط ما يزال هشاً أمام أسعار النفط العالمية، في حين ارتفاع استهلاك الصين من النفط إلى مستويات غير مسبوقة يجعلها بحاجة إلى أسعار رخيصة، بمعنى أن الولايات المتحدة هي بحاجة إلى السعودية للتأثير على أسعار النفط العالمية، وليس من أجل السيطرة على إنتاجه.

إن أولويات (مبادرة الرياض) هو التحالف القائم بين روسيا وإيران والعراق وحزب الله، كيفية هزمه أو على الأقل كيفية احتوائه. ربما سنشهد الفترة القادمة تركيزاً على (شيطنة) القوى العسكرية المعادية لإسرائيل، في هذا السياق لم تخرج كلمة الرئيس ترامب في إسرائيل على أن (كل القوى التي تقاتل إسرائيل هي إرهابية). وللمقاربة التاريخية كان تشكيل حلف وارسو هو رد الاتحاد السوفييتي آنذاك على الولايات المتحدة على تشكيل حلف الناتو، وكان ردها على (حلف بغداد) دعمها للهند ضد باكستان العضو في حلف بغداد، ودعمها عبد الكريم قاسم قائد الانقلاب على نوري السعيد أحد مهندسي هذا الحلف في العراق، وما يجري الآن في معركة البادية السورية والإرادة الشرسة للجيش السوري لتحرير مثلث التنف- السخنة- السبع بيار الجغرافي يشبه صراع حلفاء كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة للسيطرة على خط العرض 38 في الحرب الكورية عام 1950. الآن ماذا سيكون رد روسيا، إذا تطورت فعالية (مبادرة الرياض) لدرجة تشكيلها خطراً على مصالح روسيا في المنطقة؟ بالتأكيد لروسيا خيارات عديدة، لكن نعتقد أن أهمها، إضافة إلى دعمها الجيش السوري، هو دعم قوى المعارضة الوطنية الداخلية في سورية، لتشكيل بيئة سياسية جديدة قادرة على قيادة المرحلة الخطيرة القادمة.

العدد 1105 - 01/5/2024