في ذكرى ميسلون هكذا كنا.. وسنبقى!

(ابنتي أمانة لديكم!).. قالها يوسف العظمة، وذهب في 24 تموز عام 1920 إلى حيث يذهب الأبطال، الأوفياء لأوطانهم.. لن تدخلوها ونحن أحياء.. ردّد المجاهدون شعارهم خلف قائدهم.. من ترك منهم ابنه الرضيع، ومن طلب من جاره الاعتناء بأسرته، ومن حمل فأساً أو منجلاً أو سيفاً دمشقياً ملّ الانتظار، وعلّموا الكون بأسره معنى الفداء.

يوسف العظمة ورجاله كانوا المثل الأعظم لثوار آتين، ألهبوا الأرض السورية تحت أقدام المستعمر الفرنسي المنتشي بدخول الشام، فتحولت النشوة إلى خوف وأرق وجثث فرنسية منثورة في جميع المدن السورية. سورية البيت.. سورية التراب.. سورية الأبناء.. سورية العرض والشرف، كلمات بسيطة انطلقت من قلوب المدافعين عن وطنهم، وخرجت من حناجرهم أناشيد نصر ستذكره أجيال السوريين أمد الدهر.

كانوا مسلمين.. مسيحيين، ومن جميع الطوائف، لأن الدين لله والوطن للجميع، وسورية وطن الجميع.. لم يسألوا عن المكاسب وغنائم الحرب، ونياشين النصر، فكنوز الدنيا كلها كانت سورية الحرة.. الأبية..

لم يبتغوا منصباً أو كرسياً، بل تركوا مناصبهم وجميع الكراسي وراحوا إلى تراب سورية  الطاهر وعانقوه كما يعانقون فلذات أكبادهم. جُبلوا على حب وطنهم الأحلى، والأنقى، وهكذا سيبقون رغم كل شيء. لن يُخدعوا بشعارات طائفية، ولن يخونوا عيشهم المشترك، لكنهم أيضاً لن يسامحوا من باع ومن قبض ومن حاول نزع إيمانهم بقدسية تراب سورية.

المجد لك يا يوسف العظمة.. المجد لكم يا من وقفتم بوجه إمبراطورية أخضعت الدنيا وهُزمت في سورية.

أبناء سورية الذين ورثوا أمجاد الماضي، لم ينسوا تلك الأمجاد، وها هم اليوم واقفين على المتاريس، لا من أجل صدّ غزوة الإرهابيين فحسب، بل أيضاً ليثبتوا أن طموحهم إلى سورية الحرة.. الأبية.. المتعددة.. الديمقراطية.. العلمانية، لن يخبو أبداً.

 

 

العدد 1104 - 24/4/2024