الخلاف السعودي القطري تديره واشنطن!

 من الملاحظ أن الصراع بين السعودية وقطر يتفاقم، ويهدد بالانتقال إلى إعلان حرب بينهما، وسط موقف أمريكي يتصف باللامبالاة والاكتفاء بالنصائح حول ضرورة الحوار بين المتخاصمين.
من جهة أخرى لا تتمتع قطر بهامش من المناورة، لأن الموجة ضدها عالية وعاتية، وحالة الاستقطاب السائدة في المنطقة لم تعد تساعد على تسوية الخلاف على الطريقة الخليجية المعروفة (تبويس اللحى والأنوف والجبهات).

ويعتقد العديد من المراقبين السياسيين أن أمام قطر خيارين اثنين، أولهما: الانصياع لشروط خصومها (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وهذا خيار صعب بالنسبة لها، لأنه يمثل اعترافاً صريحاً بما ينسب إليها من دعم وتمويل الإرهاب، ويؤدي إلى وسمها بالدولة (المارقة)، وقد يكون لهذا الخيار تأثير على الوضع الداخلي والعائلة الحاكمة فيها. والخيار الثاني أن تمضي في سياساتها وتلجأ أمام هذه الأزمة التي تعصف بها إلى الانخراط في محور آخر، وهذا خيار صعب أيضاً، لأنه سيضعها في مواجهة دائمة مع السعودية وحتى مع الإدارة الأمريكية.
ويبدو أن الدوحة لاتزال تناور وتعطي إشارات في الاتجاهين، فهي من جهة طلبت من حماس مغادرة بعض مندوبيها للأراضي القطرية، وأوعزت لعزمي بشارة بالتوقف عن نشاطه السياسي الإعلامي من جهة أخرى، كما بادرت إلى الاتصال مع إيران.. لكن في الحقيقة لا تستطيع قطر مواصلة الذهاب في كلا الاتجاهين،
لهذا فهي تبحث عن مخرج لاستيعاب الصدمة والتخفيف من آثارها، من خلال الإعلان عن الاستعداد لقبول الوساطة وتقديم بعض التنازلات، مثل ضبط وتيرة الخطاب الإعلامي وإبداء مرونة تجاه بعض الملفات في المنطقة، ومحاولة استرضاء السعودية، إلا أن فرص نجاح هذا التكتيك تبدو ضعيفة بعد أن وصلت الأزمة إلى درجة خطيرة.

غني عن الذكر أن قطر (المشيخة المتواضعة من حيث الحجم) أدارت مشروع (الإخوان المسلمين) في المنطقة، ودعمت الإرهاب في سورية والعراق وليبيا وتونس والصومال واليمن وحتى ميانمار، بأمر أمريكي، بهدف إنشاء كونفدرالية في العالم الإسلامي تقف ضد إيران بالتنسيق مع تركيا، وبالتالي أصيبت قطر بتضخم سياسي وكادت أن تلغي الدور السعودي في المنطقة،
الأمر الذي أدى إلى تراكم حقد الرياض على قطر، هذا إضافة إلى صدامات عسكرية وسياسية سابقة بين السعودية وقطر، منها صدام عام 1992 الذي ضمت السعودية على إثره كل الأراضي البرية التي تربط قطر بالإمارات، ثم قطع العلاقات بين الطرفين في عام ،2015 علاوة على أن السعودية تعتبر قطر جزءاً من ولاية الأحساء السعودية.

وفي هذا السياق فإن دعم قطر للإرهاب لا يعني أن دول الخليج الأخرى، وخاصة السعودية، بريئة من هذا الدعم، حتى أمريكا اتهمت السعودية بدعم الإرهاب، وكذلك أوربا فعلت الأمر نفسه.

والسؤال الذي يطرح هنا:
إذا كانت الولايات المتحدة قد نسقت مع قطر لرعاية برنامج الإخوان المسلمين وخططهم في المنطقة، فلماذا تطلب من قطر الآن التخلي عن دعم الإرهاب؟

في إطار الإجابة عن هذا التساؤل يتضح أن واشنطن تتعمد إثارة التناقضات بين الدول العربية والإسلامية لتبقى هي المرجع في حل هذه التناقضات والاستثمار بها.. هذا من جهة،
ومن جهة أخرى فإن إدارة ترامب تبنت سياسة جديدة تقوم على مبدأ (ادفع تنجُ)، وهذا ما تلقفته السعودية بسرعة، فطلبت من ترامب زيارتها ليقبض 500 مليار دولار، إضافة إلى صفات السلاح والاستثمارات الفلكية التي ستساعد على إنعاش الاقتصاد الأمريكي الذي يواجه صعوبات كبيرة منذ سنوات.

بمعنى آخر، السعوديون اشتروا زعامة الخليج، وتلقوا ضوءاً أخضر لتأديب آل ثاني.

باختصار الخلاف بين السعودية وقطر يدار من قبل البيت الأبيض الأمريكي، ولن يخرج من أيدي مسؤوليه ومواصلة الاستثمار فيه إلى أقصى حد ممكن.. وقد جاءت تحركات بعض الوسطاء مثل أمير الكويت، جاءت بإيعاز أمريكي لإبقاء جميع زعماء الخليج تحت هيمنة الولايات المتحدة كما كانت على الدوام.

 

العدد 1105 - 01/5/2024