في التقرير السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحّد:

آخر المستجدّات الدولية والإقليمية وأثرها على الحرب في سوريا وعليها

إنجازات الجيش السوري تحول استراتيجي في الحرب على الإرهاب

 الأهداف الإمبريالية ثابتة والاختلاف هو في الوسائل والأساليب 

صعود ترامب: « أمريكا أولاً » .. وانفجرت الأزمة الخليجية

 عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد اجتماعه الدوري يوم السبت 10/6/،2017 وناقش تقريراً قدمه الرفيق نبيه جلاحج، وأقره..

وتنشر (النور) نص التقرير:

شهد العالم منذ مطلع هذا العام العديد من الأحداث الهامة التي يمكن أن تشكل انعطافاً في الوضع الدولي يتسم بالمزيد من التوتر والتصعيد على جميع الأصعدة، فضلاً عن الانقسامات داخل أكثر من بلد وعلى نطاق قارات ومناطق بأكملها.

وإذا كان المجال لا يتسع لاستعراض جميع هذه الأحداث، فإننا سنتوقف عند أبرزها، وخاصة تلك التي تمس أو تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع في منطقتنا، وبخاصة على تطور الحرب في سورية.

وبداية- وكي نتمكن من استشراف الأحداث الجارية- نود أن نذكّر بالمقولة اللينينية القائلة (إن السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد)، مما يتطلب أن نبحث خلف جميع السياسات والمواقف للدول والأحزاب عن مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية التي تمثلها، دون إهمال توفر أهداف أخرى في كثير من الأحيان. كما نشير إلى أثر السمات الشخصية للقادة والزعماء المعبرين عن هذه السياسة.

صعود ترامب: (أمريكا أولاً)

كان استلام دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة في كانون الثاني من هذا العام حدثاً أخذ يترك وبسرعة بصماته على مجمل التطورات اللاحقة في العالم بأجمله. فترامب الذي رفع في حملته الانتخابية وبعدها شعار (أمريكا أولاً) عبّر عن طموحه إلى جعل الولايات المتحدة زعيمة على العالم.
ساعياً إلى العودة إلى مرحلة القطب الواحد في الوضع العالمي، التي سادت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الاشتراكي، وانتهاء الحرب الباردة، بعدما انتُزعت عن الوضع الدولي في السنوات الماضية سمة وحدانية القطب نتيجة بروز أكثر من قطب هام فاعل ومجموعة دولية كبيرة في العالم.

ويسعى ترامب إلى إخراج الولايات المتحدة من أزمتها الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها، والتي تتجلى خاصة بضعف الاستثمارات الصناعية وازدياد نسبة البطالة.
وهو يعبر في ذات الوقت عن مصالح الصناعات الحربية الكبيرة وعن شركات استخراج النفط (الصخري). وفي جميع الأحوال هو يعمل بصفته صاحب مصالح تجارية كبرى بعقلية التاجر الذي يطمح قبل كل شيء إلى تحقيق أكبر ما يمكن من الأرباح من خلال الصفقات التي يعقدها.

إن ترامب الذي جاء من خارج المؤسسات الأمريكية التقليدية بدا على خلاف مع هذه النخبة السياسية، وخاصة في دوائر وزارة الخارجية والبنتاغون والأمن القومي، فضلاً عن وسائل الإعلام التي أخذت تشن حملة واسعة ضده تحت اتهامات حول صلات مستشاريه مع الروس أثناء الحملة الانتخابية، وتستمر حتى الآن الحملات المطالبة بإقالته أو عزله.

 

الأهداف الإمبريالية ثابتة والاختلاف هو في الوسائل والأساليب

إن ما ينبغي تأكيده والتركيز عليه أن المصالح العامة والأهداف الأساسية للدول الإمبريالية هي واحدة وثابتة، ويبقى الاختلاف بين إدارة حاكمة وأخرى هو في الوسائل والأساليب.

لنتذكر هنا أن أوباما قام بأول زيارة له بعد استلامه الحكم بزيارة مصر وإلقاء خطاب في جامعة الإسكندرية، ومن ثم قام بزيارة إلى تركيا حيث كان يطمح بهدف السيطرة على المنطقة العربية إلى تبوؤ الإسلاميين الحكم في العديد من بلدانها على النمط التركي، وهو ما جرى التعبير عنه لاحقاً بدعم (ثورات الربيع العربي).

أما ترامب فقد كانت أول زيارة له يقوم بها هي إلى الرياض، ومن ثم إلى إسرائيل، ثم إلى الفاتيكان، وذلك بغية تحقيق أهداف الولايات المتحدة ذاتها ولكن بوسائل أخرى كما سنرى.

إن الهدف الدائم للإمبريالية الأمريكية هو السيطرة على مصائر شعوب العالم، وتوسيع نفوذها إلى مناطق جديدة باستمرار، والاستيلاء على ثرواتها، وخاصة تلك التي تحتوي أهم وأكبر مصادر الطاقة من النفط والغاز، ومحاولة تصدير أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية إلى البلدان الأخرى؟
وبغية ضمان استمرار دوران ماكينة الصناعات الحربية لديها، فإن الإدارة الأمريكية- أي إدارة أمريكية- إلى اعتبار كل جهة تعارض توجهاتها هذه عدواً لدوداً لها. وهي تشن مختلف أشكال الحروب السياسية والاقتصادية والإعلامية وحتى العسكرية حين الضرورة ضد هذه الجهة.
وقد ثبت من خلال الممارسات العملية لسياسة الولايات المتحدة طوال عقود وعقود طويلة أن جميع الشعارات التي ترفعها حول سعيها للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ولاحقاً مزاعمها في محاربة الإرهاب ليست سوى ستاراً لتحقيق أهدافها الحقيقية تلك. فقد دعمت ولا تزال تدعم أكثر الأنظمة دكتاتورية وفاشية ورجعية وتمويلاً للإرهاب في جميع أنحاء العالم.

عالم متعدد الأقطاب

لقد عدت الولايات المتحدة خلال معظم سنوات القرن العشرين الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي والشيوعية عدواً أساسياً لها، وحاربته طوال تلك السنوات بمختلف الوسائل والأساليب، واليوم تجد الإدارة الأمريكية في روسيا هذا العدو الذي ينبغي مواجهته بقوة.
وهي تعمل على تصعيد التوتر الدولي إلى أقصى الحدود على نحو لم يسبق له مثيل منذ انتهاء فترة ما بعد الحرب الباردة.
سواء من خلال زحف (الناتو) باتجاه الحدود الغربية لروسيا، أم بنشر الدروع الصاروخية في بلدان أوربا الشرقية- الأمر الذي حذر الرئيس بوتين منه مؤخراً- أم من خلال فرض العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية عليها، تحت ذريعة موقف روسيا من أحداث أوكرانيا وعودة القرم إليها.

إن أحد أبرز ممثلي عقلية الإمبريالية الأمريكية (جون ماكين)- رغم خلافه مع ترامب- يصرح أن (بوتين أخطر من داعش على العالم). بينما حذر بوتين بالمقابل من (أن معاداة روسيا تتخطى الحدود وهي سياسة مرتبطة بقيام عالم متعدد الأقطاب)، وإذ أشار إلى مخاطر مثل هذه السياسة وطالب بالتحلي بالحكمة، فقد أكد أنه (إذا وقعت الحرب فلن يبقى أحد..).

من جهة أخرى تعد الولايات المتحدة الأمريكية الصين الصاعدة بسرعة لا تجارى في النمو الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، والتوسع في علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع مختلف بلدان العالم في جميع القارات وبضمنها أوربا، الخطر والعدو الاقتصادي الأكبر الذي يجب الوقوف بوجهه..

أما إيران فلها شأن آخر كعدو أساسي للولايات المتحدة، ليس بسبب كونها إحدى أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز في العالم، وتحولها خلال العقود الأخيرة إلى الدولة الأكثر نفوذاً في منطقة الشرق الأوسط،
وبسبب برنامجها النووي وحسب، بل- وهنا بيت القصيد- بسبب موقفها المعادي بحزم ودون هوادة للصهيونية والكيان الإسرائيلي، ودعمها اللامحدود للمقاومة الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه المحتلة.
وفي جميع الأحوال فإن إيران من جهتها تعد الولايات المتحدة الأمريكية الشيطان الأخطر على جميع شعوب العالم ومنبع الشرور فيه.

العالم يتغير اليوم وتتجه رياحه على عكس ما تشتهي السفينة الأمريكية، فالشعوب والدول تدرك أكثر فأكثر مصالحها التي لا تتفق مع مصالح الإمبريالية الأمريكية وها أن تجمعات دولية سياسية واقتصادية كبرى نشأت وتتطور وتتوسع، وكان آخرها الإعلان في الأستانا قبل أيام عن انضمام الهند والباكستان إلى معاهدة (شانغهاي) التي باتت تشكل مع (مجموعة البريكس) قطباً يضم أكبر تجمع سياسي واقتصادي يشمل أكثر من نصف سكان العالم.

على أوربا الخضوع

لقد تجلى التعبير عن شعار ترامب: (أمريكا أولاً) أكثر ما تجلى في موقفه تجاه الدول الأوربية التي يفترض دائماً أنها الحليف الدولي الأول والأساسي للولايات المتحدة في العالم.

فقد هاجم هذه الدول خلال جولته الأخيرة فيها وسعى لفرض السياسة الأمريكية عليها، وقرر تقليص المساهمة المالية للولايات المتحدة في حلف الناتو وطالب تلك الدول بزيادة الإنفاق في هذا الحلف، وأعلن في الوقت ذاته الخروج من اتفاقية باريس للمناخ (رغم المعارضة داخل الولايات المتحدة ذاتها لهذا الموقف)،
وانتقد الألمان ونعتهم بالوضاعة والرداءة لأنهم يبيعون الولايات المتحدة الكثير من السيارات والآليات.. مما دفع (ميركل) للتصريح (إن الولايات المتحدة شريك لا يمكن الاعتماد عليه) و(إننا مضطرون إلى الكفاح من أجل حقوقنا ومن أجل مستقبلنا.. وعلى الأوربيين أخذ مصيرهم بأيديهم). وقد علق بوتين في منتدى بطرسبرغ الاقتصادي على تصريحات ميركل بأنها (جاءت نتيجة الحيف المتراكم بسبب تقييد سيادة دولتها).

وهنا نشير بالمناسبة إلى أن ألمانيا تتجه نحو تطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول آسيا وخاصة الصين والهند، وتعمل حاليا في الصين حوالي خمسة آلاف شركة ألمانية، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 170مليار يورو.

وأوربا ذاتها تعاني

وقد كشفت الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً في بريطانيا وفرنسا عمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف داخل بلدان أوربا عموماً.
ففي فرنسا رغم فوز حزب (الجمهورية إلى الأمام) بالأغلبية (32%) من الأصوات، إلا أن انخفاض نسبة المشاركين في التصويت إلى أقل من 50% يدل على عدم ثقة الناخبين بجدوى هذه الانتخابات أصلاً. وعليه فإن الفوز بنسبة 32% يعني أن الفوز جرى بأصوات أقل من ثلث الذين يحق لهم التصويت أي 15% منهم فقط. وقد عبرت زعيمة الجبهة الوطنية (مارين لوبين) عن هذه النتيجة بقولها (إن تجاوز نسبة المقاطعة 50% يشكل طعناً في شرعية البرلمان المقبل).

أما في بريطانيا فقد فاز في الانتخابات التي جرت في 6 حزيران الجاري حزب المحافظين بزعامة (تيريز ماي) بأكثرية ضئيلة ربما ستضطره إلى التحالف مع (حزب الاتحاديين الديمقراطيين) في إيرالندا الشمالية لتشكيل حكومة جديدة ضعيفة، وربما تدفع البلاد إلى انتخابات مبكرة أخرى.
خاصة أن حزب العمال بزعامة (كورين) حقق تقدماً من حيث زيادة الأصوات، وذلك نتيجة تأييد أوساط من الطبقة العاملة له في دعوته إلى الخروج من سياسة التقشف القاسية التي مورست خلال حكم حزب المحافظين، وإلى إخراج بريطانيا من سياسة دعم الإرهاب في سورية والعراق وليبيا.

إن بعض المحللين يرون أن (البريكست): خروج بريطانيا من الارتباط مع أوربا يمكن أن يمثل دماراً شاملاً للاقتصاد البريطاني، ويعتبرون أن نتائج الانتخابات الأخيرة في بريطانيا تمثل ذروة سقوط الإمبراطورية البريطانية.

ترامب.. أميراً للمؤمنين!

جاءت الزيارة الخارجية الأولى لترامب إلى الخارج إلى الرياض ومن ثم إلى إسرائيل وعقده في الرياض ثلاث قمم (مع ملك السعودية وقادة الخليج وحوالي خمسة وخمسين رئيساً وزعيم دولة عربية وإسلامية) تعبيراً عن نهجه الطامح إلى فرض السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وهي تستهدف أولاً وقبل كل شيء ضمان أمن إسرائيل، من خلال التوصل إلى تسوية لصالحها وتؤدي إلى إنهاء القضية الفلسطينية جملة وتفصيلاً.
واستكمالاً لهذا الهدف توصل ترامب إلى إقامة (ناتو عربي) يستبدل من خلاله بعدوّ العرب الرئيسي المتمثل في الصهيونية وإسرائيل عدوّاً آخر هو إيران و(حزب الله) وحماس. وفي الوقت ذاته تمكّن في هذه (الزيارة) من عقد صفقة أسلحة مع السعودية بحوالي110مليارات دولار(لصالح الصناعة الحربية الأمريكية)، وأخرى بأكثر من 200 مليار دولار لإقامة استثمارات في الولايات المتحدة يمكن أن تؤدي إلى تشغيل ما بين 700 ألف ومليون من اليد العاملة. كل ذلك جرى تحت شعار مكافحة الإرهاب!!

إن ما يكشف حقيقة الأهداف مما جرى هو أن إسرائيل لم تتحفظ لا على إقامة التحالف، ولا على صفقة الأسلحة المبرمة، لإدراكها أن ذلك كله سيتكامل مع القدرات الإسرائيلية في مواجهة محور المقاومة.

وانفجرت الأزمة الخليجية..

لم تكد طائرة ترامب تغادر المنطقة، حتى أعلنت السعودية والإمارات حرباً شعواء ضد قطر، واعتبارها دولة مارقة، فقد (اكتُشف) فجأة أن قطر تدعم الإرهاب!! من خلال تمويلها للمنظمات المتطرفة في سورية، وكذلك (حماس) و(حزب الله)، وأن لها علاقات بإيران والإخوان المسلمين.. وغير ذلك.
وطالبتاها بقطع علاقاتها مع هؤلاء، كما توجهت مع دول أخرى تطالبها بقطع علاقاتها مع مجموعة من المنظمات والأفراد ضمن لائحة قدمتها لها، كشرط لإنهاء الحصار البري والبحري والجوي الكامل والشديد الذي فرضته عليها.

إن الخلافات بين السعودية وجميع الإمارات المجاورة لها قديم وعميق يعود في جذوره إلى تاريخ إنشاء هذه الإمارات من قبل الاستعمار البريطاني في حينه ضمن حدود مصالحه ومطامعه النفطية، بينما تعتبرها السعودية ولا تزال جزءاً منها.
فهي تعتبر قطر أصلا جزءاً من منطقة الأحساء. ولا يزال هناك خلاف قديم بين السعودية والكويت على النفط في المنطقة المحايدة بينهما، وهناك خلاف بين الإمارات وعمان حول واحة البريمي، ونشأ في السنوات الأخيرة خلاف حول الصراع الدائر في ليبيا بين قطر التي تدعم الإسلاميين، والإمارات التي تدعم (حفتر)..
كذلك توجه الاتهامات لقطر بأنها تدعم الحوثيين في اليمن.. كما أن لعمان علاقات جيدة مع إيران، وهي رفضت المشاركة في عدوان السعودية على اليمن، كذلك لم تشارك الكويت في هذه الحرب، وسبق أن زار الرئيس الإيراني مسقط وعمان في شباط .2017.

بداية لا بد أن نذكر أن قطر تملك 20% من احتياطي الغاز العالمي، و30% من احتياطي السوق العالمي من الغاز، وهي ثاني أكبر منتج للهليوم في العالم. وهناك طمع سعودي قديم بهذه الثروة.
كما أن لدى قطر علاقات تجارية ضخمة مع إيران وروسيا. نضيف إلى ذلك وجود تنافس شديد بين خطوط الطيران الإماراتية والخطوط الجوية القطرية.
كما تطمح الإمارات إلى نقل قاعدة (العديد) العسكرية الأمريكية في قطر إليها..

ولكن (جريمة) قطر الأساسية هي محاولتها في السنوات الأخيرة الخروج عن الطوق السعودي، ولعب دور منفرد في المنطقة أكبر بكثير من (حجمها)، معتمدة على الوفرة المالية الهائلة الناجمة عن إنتاج الغاز وتصديره، فقد سعت من خلال (ثورات الربيع العربي) إلى زعامة المنطقة والسيطرة على الأوضاع في أكثر من بلد عربي،
بدعمها للقوى الإسلامية سياسياً ومالياً وغير ذلك، ومعتمدة كذلك على آلة إعلامية ضخمة وحديثة (قنوات الجزيرة). وفي الوقت ذاته لعبت قطر على أكثر من حبل، فمن جهة أقامت علاقات علنية مع إسرائيل طمعاً في إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، ومن جهة أخرى تدعم حماس، مرسخة بذلك الدعم انقسام الصف الفلسطيني!

من المؤكد أنه لا توجد بين السعودية وقطر أي خلافات حول الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتقدم الاجتماعي.. فكلتاهما دولتان رجعيتان وهابيتان تعدّان من أكثر دول العالم تخلفاً اجتماعياً وديمقراطياً، وكلتاهما تتسابقان إلى خدمة الولايات المتحدة وتقديم فروض الطاعة والإذلال لها، وكلتـاهما وضعا قضية تحـــرير الأراضي الفلسطينية خلف ظهريهما،
ويرغبان في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وفق ما تفرضه عليهما الولايات المتحدة وإسرائيل.

كما أن اعتبار علاقة قطر بإيران سبباً للقطيعة معها يفنده أن 80% من حجم التبادل الخليجي مع إيران هو مع دولة الإمارات ذاتها.

لقد بدا في الأيام الأولى لانفجار الأزمة أن هناك التباساً وحتى تبايناً في الموقف الأمريكي منها. فترامب أعلن: (لدى قطر تاريخ طويل في تمويل الإرهاب وعلى مستويات عالية)، ودعا قطر إلى التوقف فوراً عن تمويل الإرهاب، بينما أشارت وزارة الخارجية الأمريكية على لسان وزيرها تيلرسون أن (قطر قد حققت تقدماً في مكافحة الإرهاب)،
وأن (الحصار على قطر يؤثر على الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش)، كما أثنى البنتاغون على قطر (لاستضافتها والتزامها بالأمن القومي الأمريكي).
إلا أنه من المؤكد أنه ما كان للسعودية والأمارات أن تبدأا بفتح هذه المعركة ضد قطر لولا توفر الضوء الأمريكي الأخضر، إن لم يكن بإيعاز مباشر من إدارة ترامب ذاته خلال زيارته الأخيرة للرياض.

والمطلوب الآن من قطر بشكل واضح وصريح، بعد فشل مساعي المصالحة الكويتية حتى الآن، هو رضوخها والعودة إلى الحظيرة الأمريكية راضية مرضية.
ومن أجل السماح لها بذلك لابد لها أولاً من أن تدفع حصتها إلى الخزينة الأمريكية من (الجزية) التي فرضها ترامب على دول الخليج. بعد ذلك يمكن أن تتدحرج بسلاسة التنازلات الأخرى ابتداء من قطع العلاقات مع إيران والإخوان المسلمين وحماس وحزب الله، وإغلاق قناة (الجزيرة)،
وانتهاء برفع الغطاء عن إيدلوجيي (الربيع العربي) من أقصى اليمين (يوسف القرضاوي)، إلى أدنى اليسار الثوري (عزمي بشارة).

أما في حال عدم انصياعها، فالخيارات أمام الطرف الآخر عديدة ومفتوحة: من تشديد الحصار حتى الخنق، إلى السعي للدفع نحو انقلاب داخلي تقوم به مجموعة ما من سلالات الإمارة،
وانتهاء بعمل عسكري ما ضدها، رغم ما يحيط بمثل الأمر الأخير من صعوبات ومخاطر إقليمية ودولية، علماً أنه لا يمكن أن يحدث إلا بإيعاز من سيد جميع الأطراف الذي سيقرر في نهاية المطاف طبيعة الحل وشكله وأسلوبه.

رغم كل هذه (الحرب) اليوم على قطر لابد من التنبيه إلى أن الحملة تشنّ ظاهراً على قطر، ولكن العين الحقيقية هي على إيران، لأنها المستهدفة فعلاً في المحصلة من السياسة الترامبية الجديدة، مما يستدعي الكثير الكثير من اليقظة والحذر.

تبين حتى الآن أن قطر ليست إمارة معزولة إقليمياً ولا دولياً: فمن أصل حوالي خمسة وخمسين دولة حضرت قمة الرياض لم يحذُ حذو السعودية بقطع العلاقات مع قطر سوى عدد ضئيل جداً لم يتجاوز الست أو السبع دول، ولكل منها إما أسبابها الخاصة (مصر بسبب علاقة قطر بالإخوان المسلمين)،
وإما لتبعيتها بشكل أو بآخر للسعودية. بينما اتخذت تركيا موقف الدعم الواضح لقطر، وقررت إرسال قوات عسكرية إلى قاعدتها في قطر، وهو نتيجة طبيعية بسبب تحالفهما ومواقفهما المنسجمة من الأوضاع في سورية ومصر وليبيا، ودعمهما للمجموعات الإرهابية في سورية وللإخوان المسلمين فيها وفي مصر وفلسطين.
كما أعلنت باكستان استعدادها لإرسال قوات لقطر. وأرسلت روسيا وإيران والمغرب مساعدات غذائية لقطر في محاولة لكسر الحصار المفروض عليها.. وغير ذلك.

أما إسرائيل فهي الأكثر فرحاً وابتهاجاً بكل ما يجري، وقد عدت الصحافة الإسرائيلية هذه الأحداث بمثابة (فرصة ذهبية لتغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط لمصلحتها..
و أن عزل قطر يعزز المحور الإسرائيلي السعودي، في مواجهة إيران والإرهاب وحماس…). كما استنتجت أن (أحداث سورية ومصر واليمن وليبيا والآن قطر أزاحت النزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الهامش).

وبعد: لقد توضح اليوم كم كانت سورية صادقة وعلى حق حينما كانت تؤكد أن قطر والسعودية وتركيا هي القاعدة الفكرية والسياسية والتمويلية والتسليحية والإعلامية للمجموعات الإرهابية في حربها ضد الدولة السورية. وقد أخذ اليوم يفضح كل منهم الآخر في ممارساته وأفعاله السابقة.
وإذا كان أي انقسام أو صراع في جبهة أعداء محور المقاومة هؤلاء، سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف هذه الجبهة، وبالتالي مفيداً لهذا المحور، إلا أن مدى تأثير هذا الصراع الخليجي وانعكاسه على الحرب الدائرة في سورية وعليها سيتوقف إلى درجة كبيرة على تطورات هذا الصراع ونتائجه القريبة والبعيدة.
ذلك أن استمرار هذا الصراع وتصاعده حدة وأشكالاً سيؤدي حتماً إلى ازدياد حدة الخلافات بين المجموعات الإرهابية وخاصة المسلحة منها العاملة في سورية والمدعومة والممولة من تلك الدول، وإلى إضعاف هذه المجموعات، أما في حال تطور الأمور نحو انتزاع فتيل (الأزمة) الحالية، وتوحّد أطرافها تحت قيادة الولايات المتحدة وتوطد تحالفها مع إسرائيل، فإن ذلك سيزيد، ولا شك، من حجم المخاطر المحيطة بسورية وحلفائها.

من هنا نقول إنه، وبغض النظر عن تطور الصراع الخليجي الحالي، فإن هذه الهجمة الإمبريالية الصهيونية الكبيرة والخطرة على الأمة العربية التي تستهدف السيطرة على مقدراتها لما فيها مصالحها السياسية والاقتصادية، تتطلب أكثر من أي وقت مضى من جميع القوى الوطنية والقومية واليسارية داخل كل بلد عربي وعلى نطاق الوطن العربي كله التجمع في جبهة واحدة قادرة على حشد الجماهير في مواجهتها.

في الوضع السوري

إن الإنجاز الرئيسي للجيش العربي السوري خلال الأيام الأخيرة الماضية في حربه ضد داعش هو وصوله إلى الحدود السورية العراقية، إلى الشمال الشرقي من معبر التنف، مخترقاً بذلك (الخطوط الحمر) التي رسمها التحالف الأمريكي في المنطقة، وقيامه بعدد من الغارات الجوية على مواقع حلفائه. ويشكل هذا النجاح (تحولاً استراتيجياً في الحرب على الإرهاب وقاعدة لتوسيع العمليات العسكرية في البادية)، وفق ما جاء في البيان الصادر عن قيادة الجيش.

لقد جرت هذه العملية في إطار حرب البادية التي يخوضها الجيش العربي السوري مستهدفاً منع القوات الأمريكية وحلفائها من تنفيذ مأربهم في الإمساك بكامل الحدود السورية العراقية،
وهو يعمل بالتواصل مع قوات (الحشد الشعبي) العراقي، من أجل الانطلاق من ثم نحو تحرير دير الزور، التي ستشكل لاحقاً المعركة الكبرى الحاسمة في الحرب ضد داعش. وفي الوقت ذاته تتابع (قوات سورية الديمقراطية) تقدمها في أحياء الرقة تحت غطاء من طيران التحالف الدولي.

وتسير هذه المعركة بشكل متزامن مع تقدم القوات السورية على عديد من المحاور المترابطة استراتيجياً والممتدة من ريف حلب الجنوبي الشرقي، إلى ريف السلمية وريف حماه، إلى ريف حمص الشرقي، إلى محور شرقي السويداء، كما أن المعركة الدائرة في درعا تستهدف منع إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري تخضع للنفوذ الأمريكي الإسرائيلي الأردني.

إن الجانب الخطر في المرحلة الحالية من الحرب السورية هو اتساع الدور الأمريكي في هذه الحرب. فبعد أن بدأ التدخل الأمريكي بعدد محدود من الجنود، واقتصر على إرسال الخبراء وتدريب المقاتلين وتزويدهم بالسلاح والمعدات، وإقامة قاعدة له في الرميلان شمال البلاد،
اتسع تدريجياً ليصبح للقوات الأمريكية أكثر من سبع قواعد عسكرية في منطقة الجزيرة، وقاعدة أمريكية بريطانية في منطقة (التنف) على الحدود السورية الأردنية تضم عشرات العسكريين، وجرى تزويدها مؤخراً براجمات صاروخية حديثة.كما دخلت مؤخراً مجموعة حاملة طائرات (جورج بوش) البحر الأبيض المتوسط.

وإذا كان الهدف المباشر من العدوان الأمريكي الآن هو منع سيطرة الجيش العربي السوري على الحدود السورية العراقية، والتواصل مع الجيش العراقي، وبالتالي الحؤول دون إقامة ممر بري يمتد من طهران إلى بغداد، إلى دمشق، فبيروت والبحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يشكل قلقاً بالغاً للكيان الصهيوني،إلا أن أمريكا تطمح من حيث النتيجة إلى بسط نفوذها على أوسع ما يمكن من الأرض السورية، لفرض واقع تقسيمي يمكنها من فرض رؤيتها لأي حل للقضية السورية.
ويبدو هنا أن الولايات المتحدة ليست الآن في وارد المساهمة الجدية في المساعي الدائرة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، أو على الأقل هي ليست مستعجلة في ذلك، على أمل حصول تبدلات في ميزان القوى الميداني تمكّنها من لعب دور أكبر لاحقاً.

وإلى جانب المعارك العسكرية ضد داعش والنصرة وأخواتها، تجري مصالحات في عشرات البلدات في جميع المناطق السورية، وقد نجم عن هذه المصالحات خلال الأشهر الستة الأخيرة فقط بعد تحرير حلب، خروج أكثر من 28 ألف مسلح مع عوائلهم من هذه البلدات. مما أتاح للجيش توجيه إمكانيات أكبر لمعاركه ضد داعش.

وعلى قاعدة الإنجازات في الميدان العسكري، تستمر المساعي لعقد جولة جديدة من المباحثات في (أستانا) في أوائل تموز القادم، ومن ثم في جنيف في أواسط الشهر ذاته.
وقد عبر الرئيس بوتين في تصريحاته إلى صحيفة (الفيغارو) أن (إنشاء مناطق التصعيد شكلت خطوة هامة للعملية السورية)، كما أضاف أن الخطوة التالية يجب أن تكون عملية سياسية بحتة للمصالحة السياسة لوضع الحقوق الدستورية والدستور وإجراء الانتخابات).
وأكد بوتين في اللقاء ذاته أن (من حق السوريين فقط أن يقرروا ما إذا كان مستقبل سورية السياسي سيكون مع الرئيس الأسد أو من دونه). وفي كلمة للرئيس بوتين في منتدى بطرسبرغ أشار إلى أن (روسيا تدافع عن مؤسسات الدولة وليس عن شخص الرئيس الأسد.. وأضاف أن الرئيس الأسد ارتكب أخطاء كبيرة ولكن معارضيه ليسوا ملائكة..).

وفي اجتماع مجموعة (شنغهاي) في (أستانا) إذ أشار إلى توفر بوادر إيجابية في سورية ترتبط بعملية أستانا، وأهمية الاتفاق على وقف إطلاق النار بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة وإقامة مناطق خفض التوتر.. فقد أكد أن محاربة الإرهاب يجب تكون بلا هوادة.. والعمل بشكل متزامن على إزالة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية وراء ظاهرة الإرهاب، وعلى تحييد إيديولوجيا الإرهاب.

لم يعد اليوم من مجال للشك بأن جميع التناقضات والصراعات الدولية والإقليمية تتجلى في الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من ست سنوات ونصف.
وتعكس هذه التناقضات المصالح السياسية والاقتصادية للدول المشاركة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر. ولا يدور الصراع حول الدور الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا ولسورية خاصة، وبالتالي حول نفوذ كل منها فيها وحسب، بل وأيضا حول السيطرة على منابع النفط في المنطقة، وطرق تمديد أنابيب الغاز خلالها.
وتتجسد في هذا الصراع ضد سورية أيضاً المطامح الإمبريالية والصهيونية في إضعاف محور المقاومة: (سورية، وإيران، وحزب الله)، وإسقاطه.

وقد توضحت خلال السنوات الماضية التخوم بين أطراف هذه الحرب: فمن جهة قوى ظلامية إرهابية تكفيرية متوحشة مدعومة من الكثير من الدول الإقليمية والعالمية، بجميع أنواع الدعم المالي والعسكري والإعلامي وغير ذلك، ومن جهة أخرى الدولة السورية مؤيدة من العديد من الحلفاء، وبخاصة من روسيا والصين وإيران وحزب الله.
ويبدو جلياً من خلال ما تحقق من نجاحات في هذه الحرب حتى الآن، أن هزيمة داعش وجميع القوى الإرهابية والدول الداعمة لها، وتباشير النصر المؤزر لسورية وحلفائها، أضحت اليوم أقرب من أي وقت مضى، وأن التضحيات التي قدمها شعبنا لن تذهب هدراً.

إن الانتصار في الحرب الدائرة في سورية ليس قضية عسكرية فقط. بل إن ذلك يتطلب فضلاً عن الدعم المطلوب للجيش العربي السوري الذي يحقق الإنجازات على الصعيد العسكري، القيام بجملة من التوجهات والتدابير من أجل إطفاء بؤر الحاضنة التي ولّدت ولا تزال تولّد الفكر الإرهابي والتكفيري.
وعلى رأس ذلك تكتسب أهمية كبرى مهمة محاربة هذه الفكر الوهابي وتعريته، من خلال تطوير مناهج التربية والتعليم، وكذلك التشدد في محاربة الفساد وجذوره، والاهتمام بقضايا حياة الجماهير الشعبية وخاصة لجهة مكافحة الغلاء والبطالة.

10/6/7102

العدد 1105 - 01/5/2024