تجارة الارواح.. أجساد مزقتها مباضع الاطباء

 

 

 ما أقسى عتم النفوس إن هي تخلّت عن نورها، وما أصعب أن يحلّ الكُفرُ محلَّ الرحمة الطبيعية الإنسانية، وما من ألم أكبر من ألم إفساح المجال للقلب البشري أن يُسكن ويُحتل من قبل الوحوش، وليس أصعب من كل ذاك إلا من يجعل لباس الطب الأبيض شعاراً للموت، وينقلب الأبيض الرحيم الذي يميزه كطبيب فيُلبسه كفناً لمرضاه.

أما عن تجارة الطب فهي تدخل علينا من أوسع الأبواب، فالقادم الجديد وبقوة قد أخلف أصحابه بقسَمهم المهني، وجعلوا محلّه قسم المال، إذ يُقسم كل من سولت له نفسه في عالم المادة أن يكون مالئ الجيوب، مضطهد القلوب، مشيحاً بوجهه عن كل ما هو إنساني، وهكذا حال بعض الأطباء في زمن الحرب.

يدخل المريض الذي ذكره الله ببلاء ما أحد المستشفيات الخاصة، وما إن يدخل حتى تحل عليه لعنة المكان، ويبتلى ببلاء أكبر من البلاء الرباني، وما إن تطأ قدمه عتبة المستشفى الذي يظن فيه أنه سيشفى ويبرأ من آلامه، حتى يحار كادر ذاك المستشفى وخاصة الأطباء في الطريقة التي سيسحبون فيها المال من ذلك القادم المريض،
وتبدأ حينئذ رحلة جني الثروات من طلب التحاليل، وصور الأشعة، بسبب أو من دونه، وفي الغالب يلجأ الأطباء إلى إدخال المريض العناية المشددة، التي باتت تسعيرتها تصل حد 100 ألف ليرة سورية على أقل تقدير، وتبدأ عبارات الخوف تُسمع وتُلقى على مسامع أهل المريض، بأن وضعه حرج،
ويجب أن يبقى في المستشفى، فلا يجدون أنفسهم إلا مضطرين لقبول أي مبلغ يفرض عليهم، لقاء إنقاذ حياة مريضهم، وتأمين مكان لعلاجه، وهكذا تُجنى الأموال الطائلة لتدخل في جيوب الأطباء، ومالكي المشفى.

حيلة أخرى لجمع المال لكنها حيلة لا نقدر أن نصفها، سوى أنها حيلة شيطانية، ومن يلجأ لها وينسج خيوطها هو شيطان حقيقي كائناً من كان، الحيلة الجديدة هي اختراع مرض في جسد المريض وإقناعه أن عليه يخضع لعملية ثانية بعد الأولى التي خضع لها،
لأن الموضوع مستفحل كما رآه ذاك الطبيب، ويجب الخضوع لعمل جراحي ثانٍ.
نسمع كثيراً عن مثل هذه الحالات، تقول مريضة:
(أثناء وجودي مع أختي في أحد المشافي الخاصة لعمل بعض التحاليل لها قلت للطبيب إنني أشتكي من ألم في ساقاي، فبدأ بإيهامي أنني يجب أن أخضع لعملية مستعجلة لانتزاع اللوز، وبالفعل خضعت لتلك العملية إلا أنّ حالتي ساءت، وبدأت الحمى تعصف بجسدي وألم غير موصوف في كل أنحائه، ولدى استشارة الطبيب وبعد كم كبير من التحاليل، تبين أنني أعاني من التهاب الزائدة الدودية، ويجب استئصالها فوراً، وهكذا خضعت للعمل الجراحي مرتين خلال أقل من أسبوع)،
وتتابع المريضة: (أعتقد أنني لم أكن في حاجة لكل ذلك وأنه أجريت لي عمليتان جراحيتان فقط لسحب المال، وهذا ما أكده لي فيما بعد أحد الأطباء من خبرته بذلك المستشفى وكوادره، فهم يلجؤون لمثل تلك الشيطنات، والضحية أرواح بريئة، أما الهدف فهو دائماً وأبداً المال).

أما عن شبكة من الأطباء الذين يتقاذفون المرضى فيما بينهم، فهذا له كلام آخر، فالمريض يدخل إلى عيادة مدير الشبكة مثلاً ليأخذ منه المعلوم، ثم يحوله إلى طبيب آخر لإجراء استشارة ثانية، والآخر يعطيه رقم وعنوان طبيب ثالث من الشبكة نفسها، لإجراء استشارة، وهكذا حتى تدور الدائرة فيما بينهم وتدخل إلى جيوبهم أموال إضافية من خديعة مريض لا حول له ولا قوة.

وفي سياق آخر بعيداً عن القنص واختراع المبررات للتدخل الجراحي غير الضروري، يكثر الحديث عن الأخطاء الطبيّة القاتلة والتي قد تودي بالمريض للموت أو إلى خسارة عضو من أعضاء جسده،
كما حصل لطفل بترت يده نتيجة خطأ طبي من قبل الطبيب المعالج، الذي قام بوضع جبيرة على يد الطفل المكسورة، وقد كان من الضروري وقتذاك إجراء عملية تركيب سيخ مكان الكسر، والنتيجة ازرقاق يد الطفل والاضطرار إلى بترها بعد أن ساء وضعها كثيراً.

لن ننسى قصة الشابة التي مازالت إلى اليوم في غيبوبة نتيجة خطأ طبي أثناء إجراء عملية لها في أحد مشافي اللاذقية، التي ضجت بقصتها مواقع التواصل الاجتماعي منذ شهور.

لو أن هنالك رقابة مع سوط مؤلم لما تجرأ طبيب أن يلجأ إلى تلك الأساليب التي تحفر جروحاً بمبضعه في جسد المرضى لا لزوم لها، ولو أن هنالك عقوبة رادعة مع إغلاق المستشفى لما تمادى مالك المستشفى الخاص، وأُعطى الضوء الأخضر كي يزيد الاستغلال ويرهق المواطن صحياً ومادياً.

العتب على وزارة الصحة، واللّوم الأكبر يقع عليها، فهي المسؤولة الأولى والأخيرة عن ضبط مثل تلك التجاوزات، بحق المرضى الذين باتوا يخشون دخول المشافي الخاصة أكثر من خشيتهم من مرضهم نفسه.

 

العدد 1104 - 24/4/2024