السيد محافظ حماة… الوادي يشكو الإهمال

هناك في تلك الجبال الساحرة البعيدة حيث الطمأنينة والحنين والمحبة المرسومة في الطرقات، وبين أغصان الزيتون والسنديان الذي يلوح لك بيده، فترى كبرياء وصمود يجذبك له، وعندما تدخل إلى ذلك المكان تشتم رائحة الجوز وخليطاً من الزعتر البري المعتق، فيتردد صوتٌ بداخلك بأنك أتيت وستبقى، تتأمل تلك المساحات العالية حتى تظن بأن السماء قريبة منك، ويحيطك صفاء يلتف حولك ويخفف عنك متاعب الحياة، هذه المنطقة التي لطالما عشقها كل من زارها وعرف باسمها كل من تنفس عبقها، وارتدت له الروح من جديد، عند الحديث عن وادي العيون تتأمل كم هي  منطقة مذهلة وسياحية وثروة إذا استثمرت، ولكن عندما تعلم كم ينقصها من خدمات ضرورية للمواطن تشعر بالحزن على ذلك الجمال المتروك، فالكثير من القرى المنسية حولها تعاني العديد من المشكلات الخدمية، كقرية دوير المشايخ وبيت الهندي وبيت شلهوم والقرى المجاورة (وتعد مدينة وادي العيون مركز ناحية تتبع لمنطقة مصياف، محافظة حماه، وهي تقع في الوادي المسماة باسمه (وادي العيون) الممتد من الشرق الى الغرب على السفح الغربي من سلسلة الجبال الغربية في سورية، وترتفع عن سطح البحر ما بين 450-900م. وتقع شمال العاصمة (دمشق) وتبعد عنها 250كم، وتبعد عن مدينة (حمص) 90كم، وتبعد عن مدينة (حماه) 65كم، وتبعد عن مدينة (طرطوس) أحد الينابيع في الوادي 45كم، وهو وادي رائع الجمال يقع في الجبال الساحلية السورية على طريق عام (مصياف طرطوس)، ويبعد عن مصياف 18 كم، ويتجه هذا الوادي من الشرق إلى الغرب ويضم عدداً من المسيلات المائية التي تتجمع لتشكل في النهاية نهراً شبه دائم الجريان، يصب شمال مدينة طرطوس: نهر (الحصين)، وفي الماضي كان عدد العيون في هذا الوادي يصل إلى 360 عيناً (ما بين عيون صغيرة وكبيرة). أما الآن فقد تقلص هذا العدد كثيراً بسبب انخفاض مناسيب المياه الجوفية.

يحيط بالوادي جبال شديدة الانحدار تكسوها الغابات والأحراش وقسم منها أراض زراعية، ويبلغ متوسط ارتفاع أسفل الوادي 500م عن سطح البحر وتصل قمم الجبال المكونة له فوق 1100م عن سطح البحر.

سُكنت وادي العيون منذ العهود الفينيقية الأولى، وتدل عليها بعض الآثار المتبقية مثل (الناغووص -الناووس) في حي منظر من الوادي (بيت شلهوم)، وهو مدفن فينيقي في الصخر، وقد عرفت النواويس بأنها تقام بالقرب من السكن وعلى شرفةٍ منه، لكن لا آثار لوجود هذه المساكن، وكانت تحتوي على عدد من طواحين المياه، لم يتبق منها، سوى واحدة فقط قرب قاع الوادي عند جسر (بيت الهندي)، ولا تاريخ محدداً لبناء تلك الطواحين، كما تشتهر البلدة بمغاورها المتعددة.

وكما ذكرنا سابقاً بأنها تعاني من مشكلات خدمية كثيرة فمشكلة المواصلات تعد من المشكلات التي يعاني منها المواطن في تلك المناطق الجبلية، فإذا أراد التنقل إلى المدينة يجب أن يخرج من منزله من الساعة الخامسة صباحاً ليستطيع الوصول لعمله، هذا بالنسبة للعاملين بمناطق بعيدة عن القرية أما طلاب المدارس والجامعات حدث ولا حرج. في طريق الذهاب ينتظرون في الظروف المناخية القاسية لينالوا العلم الذي أرادوا، فساعة من الوقت أو أكثر ليأتي مكرو باص يقلّهم لمدينة أو قرية أخرى للوصول، فأهالي هذه المنطقة وما يحيطها، يعانون من عدم توفر وسائل للنقل على مدار الساعة، وتوجد ساعات محددة من الساعة الخامسة صباحاً إلى الثانية عشرة ظهراً وبعدها لا تستطيع الخروج من قريتك إلا إذا طلبت سيارة خصوصي تطلب مبالغ كبيرة لا يستطيع من يتقاضى راتباً شهرياً أن يدفع أجرة سيارة خاصة ليذهب حيث أراد، فلا يستخدمونها إلا للضرورة القصوى كحالات المرض أو الإسعاف فلا يتوفر وسيلة نقل بين القرى المجاورة، وبين المدينة تكون في ساعات محددة، فذلك مع مرور الأيام يؤدي للانعزال وقلة التواصل بين الجوار والقرى المحيطة، فإلى متى ستبقى تلك القرى من المنسيات في قائمة أهمية الحكومة والدولة؟ ومتى سيشعر المواطن بقيمته وأهميته في بلدٍ كثر به تجار الأزمة من استغلوا حاجات الناس وعاد فيه زمن الإقطاعيين والمحتكرين؟

من يتحمل مسؤولية ذلك، الادارة المحلية التي تجلس مكتوفة الأيدي، أو بلدية المنطقة المذكورة، أم الأهالي الذين ملّوا من كثرة الحديث بهذا الوضع المتردي؟

 إذا كانت ستبقى منسية من المعنين في حل الموضوع فنحن لا ننسى هموم الناس ومشاكلهم، وسنبقى نتحدث عنها حتى لو لم نسمع الصدى، وحتى لو بقي صوتنا يتردد بين تلك الجبال، ربما سيصل يوماً ما ليحكي وجع الكثير من الناس ومعاناتهم، وإننا نضع ذلك في عهدة محافظ حماه.

ونفترح بأن يتم تأمين ميكرو باصات على مدار الساعة تصل جميع القرى بين بعضها البعض، وبين القرى والمدينة خط مصياف طرطوس وحماه، وتأمين مكاتب للسفر بطريقة سهلة وآمنة.

فأين الطريق إلى فؤادك أيها المنسي في صمت الحقول، وإلى متى ستبقى الكلمات مرسومة على الورق لماذا لاتطبق على أرض الواقع.

العدد 1104 - 24/4/2024