الأزمة في المناهج الدراسية.. والتغيير المطلوب

المناهج المدرسية بين الواقع والطموح

 ما زالت الأزمة التي تعصف بسورية منذ أكثر من ست سنوات تلقي بثقلها على كل جوانب الحياة فيها، والعالم في تطور متسارع إذ نعيش عصر السرعة، ونحن في سورية ما زلنا نلملم جراحنا، والمطلوب أن نواكب التطورات التي يشهدها العالم.

أن تبادر وزارة التربية، في هذه الظروف، إلى تعديل المناهج المدرسية السورية، قد يكون من التحديات التي تُحسَب لها، ولكن ما الذي حصل؟

هذه المناهج الجديدة، بأغلفتها ومحتواها، أثارت في وسائل الإعلام، وفي أوساط التلاميذ والأهالي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت انتقادات تحولت إلى ضجة، وأطلقت حملات احتجاج طالت الحكومة ووزارة التربية ومركز تطوير المناهج… إلخ.

من حق الناس أن يُظهروا قلقهم وحرصهم على مستقبل أطفالهم. وهذه الانتقادات عموماً، بغضّ النظر عن مدى دقة بعضها، تنمّ عن حركة لها طابع شعبي، وهي تريد أن تقول: ذهب الزمان الذي تتفرّد فيه وزارة التربية في ترتيب المناهج وتحديد محتواها بالشكل الذي تريد، وتحت ضغوط وأهواء تُبديها شرائح متنفذة في البلاد، واستناداً إلى أمزجة بعض الساسة والمرجعيات الدينية.

يحق للناس أن يتساءلوا: كيف ولماذا وصلنا إلى هذه الحال؟!

فقد بدا أن لدينا انقساماً مجتمعياً حاداً تغذيه نعرات دينية ومذهبية وعرقية ومناطقية، تقاطعت مع مصالح بعض الساسة ضيّقي الأفق.

وأعتقد أنه حان الوقت الذي يفتح فيه ملف تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة.. بين الدين والدولة.. بين الدين والتعليم.. وأنه سيكون في صالح المواطنة واستقرار المجتمع.

من حق الناس أن يقولوا: نريد منهاجاً مدنياً أخلاقياً يجمع السوريين تحت عنوان وحيد: إنه (المواطنة)، منهاجاً يترفع عن كل الانتماءات أمام الانتماء الوطني.. منهاجاً يعزز ويرسخ مفهوم الوحدة الوطنية رغم الاختلاف، ولا يغيّب روح المبادرة في التعليم والإبداع، ولنتعلم من دروس الأزمة العميقة التي تمر بها سورية كيف نقوّم مناهجنا الدراسية، وكيف نعدّها وماذا نضمنها لكي نبني أجيالاً متوازنة متعاونة، الوطنية قاسمها المشترك.. أجيالاً تعمل من أجل أن تسود في أذهانها وفي سلوكها، مفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، أجيالاً تؤمن بأن الحقيقة هي ثمرة صراع العقول.. أجيالاً تحب العمل وتتقنه، أمينة لبلادها ولشعبها وتراثه الحضاري العريق، تحترم القانون وتناضل من أجل الحياة الأرقى والأسمى.

إن تغييب المرجعيات والكفاءات الوطنية التي تمتلك الكثير من الخبرة والكفاءة، سواء في السياسة أو التعليم أو الاقتصاد، أفسح ويفسح المجال للمرجعيات الدينية والعشائرية أن تدخل وأن تفرض ما يخدم ويؤمّن مصالحها ومصالح الطبقات التي تمثلها.

خلاصة القول

إن كل ما يحصل في البلاد وما ستكون عليه الأوضاع لاحقاً له علاقة بموازين القوى المتصارعة على الساحة السورية، وسيكون له انعكاساته على مناهجنا وطلابنا، ولابد من تحالف واسع وطني علماني ديمقراطي لمواجهة القوى التكفيرية الظلامية، إن إقصاء الدين عن الدولة وعن السياسة وعن التعليم يعني أولاً الحفاظ على الوحدة الوطنية وترسيخها لدى الأجيال الجديدة خصوصاً، ويساهم في خلق أجيال هاجسها أولاً الهم الوطني، ولا انقسام فيها على أساس انتماءات ضيقة، وتبقى الحرية الشخصية في الاعتقاد الديني متاحة ومصونة حسب القوانين السائدة في البلاد عندئذ يكون السوريون قد بدؤوا التأسيس لدولة علمانية ديمقراطية عادلة.

غالب خليفة

العدد 1105 - 01/5/2024