بعد قرب الخلاص من داعش الجبهات… من يقضي على داعش المؤسسات؟!

 نصّت المادة 267 من قانون العقوبات على: (يعاقب بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل كل سوري حاول بأعمال أو خطب أو كتابات أو بغير ذلك أن يقتطع جزءاً من الأرض السورية ليضمه إلى دولة أجنبية أو أن يملكها حقاً أو امتيازاً خاصاً بالدولة السورية). وفيها أيضاً:

 (إذا كان الفاعل عند ارتكابه الفعل منتمياً إلى إحدى الجمعيات أو المنظمات المشار إليها في المادتين 288 و308 عوقب بالاعتقال مؤبداً).

بتنا كل يوم في سورية على موعد مع أحداث أو تغيير أو قرارات لم نكن ننتظرها أو نتوقعها، بعد كل هذا الصمود على جبهات محاربة الإرهاب والإرهابيين وتهديداتهم، فقد كانت صدمتنا الأولى ذات الحجم الوطني الشعبي مطلع شهر أيلول هي صدمة المناهج التربوية الجديدة، وهي كارثة وطنية حلّت بنا في غمرة أفراح القضاء على المؤامرة الصهيونية الوهابية الداعشية، لكن المناهج المدرسية الجديدة المطوّرة في وزارة التربية عبر (المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية)، أثارت تساؤلات جديدة حول الإصلاح الإداري ومشروع القضاء على الفساد، بعد أن وصلت حالات الفساد إلى تمركز فعلي لمنظومة كاملة في مفاصل الدولة تنخر جسد الوطن والمواطن، وتجزّ الأعناق المتطلعة إلى الخلاص من غدر المتآمرين الظلاميين الصهاينة بأفكار عقولهم المريضة العاملة لدى قوى الاستخبارات العالمية والجيوش المعادية المتربصة شرّاً بسورية وقائدها الصامد ودولتها المناضلة مع محور المقاومة ضد الاحتلال وأدواته والاستعمار الجديد ومؤيديه.

ومع الأسف تمكّنت الحكومة خلال الفترة الماضية – وبالأخص خلال الشهور الأخيرة- من توجيه ضربة للمطالبين بالإصلاح من كوادرها الوطنية والإعلامية، كما سخّرت أجهزةً لديها لحماية الكادر الإداري والعلمي الخاطئ، وعملت على تجريم كل من يعترض على هذا الكادر، بذريعة الحفاظ على الشعور القومي وهيبة الدولة!

أتت المناهج التربوية الجديدة، على ما يبدو، لتشوّش على مفهوم الوطن والهوية الوطنية من جذوره، وتضع الإنجازات الوطنية في مؤخرة الإنجازات العالمية، وعملت وزارة التربية – بإشراف من منظمة اليونيسيف- على نشر أفكار وحملات إعلانية مرافقة لانطلاق العام الدراسي تخلق وتختلق الفروق بين أبناء البيئة السورية الموحدة، كما قدمت وزارة التربية، في بعض مناهجها، خرائط صنعها الاستعمار، وذلك بما يتماهى ويتطابق مع ما ارتكبه مسؤولون في وزارة الثقافة قبل سنوات، بالاعتماد على خرائط الاستعمار المشوهة، فالخريطة السورية التي استخدمتها مؤسسة الآثار السورية والمنشورة في المجلة الأثرية السورية الرسمية – وهي مجلة الحوليات الأثرية السورية- هي خريطة مصدرها السلطات الفرنسية عبر معاهدها العاملة في سورية حتى عام ،2011 وهي خريطة تحذف لواء إسكندرون السليب كما تحذف الجولان السوري المحتل… وفي العدد 45-46 -لعام 2003 من مجلة الحوليات الأثرية السورية نُشرت أيضاً خريطة لسورية حلّت فيها (إسرائيل) محلّ فلسطين، على الحدود الجنوبية لسورية، كما حُذف منها لواء إسكندرون، والهدف من هذا الحذف هو أن يُستبدل بالواقع الأثري والتاريخي الحقيقي لسورية واقع استعماري سياسي. أما الإجراءات على الأرض خلال الحرب التي شُنت على سورية من قبل قوى الإرهاب الصهيوني التكفيري فهي إجراءات حاولت جعل الخريطة المجزّأة واقعاً أبدياً، مستفيدين من دراسات مغرضة فُرضت على الأرض الأثرية السورية تلخصت في العزل التاريخي والأثري والديموغرافي القسري التام لكل الأجزاء المحذوفة من الخريطة… وموضوع العزل هذا هو موضوع معقّد للغاية ويمكن الإشارة إليه عبر عدة مشاريع أثرية أجنبية جرت سابقاً، ومن خلال عدة منشورات ومؤلفات ضخمة صدرت في السنوات السابقة. وللتذكير ففي عام 2011 نشرت لجنة علمية من مديرية الآثار – من ضمنها مدير الآثار والمتاحف الجديد- نشرت في العدد 13-14-لعام 2011 من مجلة مهد الحضارات، خريطة لسورية القديمة أُدرج فيها كل من الكيانين الخرافيين (إسرائيل) و(يهودا)، علماً أن إدراج الكيانين المذكورين في خرائط المنطقة خطأ لا يغتفر ولا يستند إلى أي دليل أو حجة أثرية. وفي الوقت الذي تشتد فيه الحرب على سورية من قبل الدوائر الصهيونية والإرهابية منذ مطلع عام 2011 فإنه لا بد من تسليط الضوء على ما يوصف بأنه حرب تستهدف خريطة سورية منذ أقدم العصور، ومن المؤسف أن تتكرر فصولٌ من تلك الحرب ويجري تفعيلها من خلال أداء بعض المسؤولين والأساتذة الجامعيين ممن يتولون مديرية الآثار والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة.

وهكذا فالمصادر أجنبية استعمارية في منشورات كل من وزارة التربية والثقافة، يكرّسها رسميون عاملون في الدولة يرتبط معظمهم باتفاقيات تعاون مع معاهد تابعة للاتحاد الأوربي.

وعودة إلى موضوع المناهج التربوية الجديدة فقد رأينا فيها كتب قراءة تقدّم أمراض بعض المجتمعات المريضة في غير مكانها الصحيح، كموضوع التحرش الجنسي بالأطفال، كما رأينا كتب تربية وطنية تختص بالمجتمع ومشاكله فحسب.. كما رأينا في مناهج التاريخ الجديدة شعوباً وقبائل ثانوية عابرة تغدو مركزيةً في التاريخ الوطني السوري على حساب الشعب السوري الأصلي الذي شتّت بعض المناهج أصوله ومنابعه وأصالته.

أما أغلفة المناهج الجديدة فبعضها مثير للجدل والسخرية والاشمئزاز وينطوي على هز صورة العلم والاستهزاء بالمجتمع المحلّي والعبث بصورته الحقيقية وتحجيم مستواه وربطه في بعض الصور مع الدواب، إضافة إلى التركيز على الأصولية الدينية.

أما تصريحات السيد وزير التربية فأتت مستفزّةً للرأي العام، وانحصرت إجراءاته في منجاة وملهاة تشكيل اللجان والوعود القادمة على الطريق، بينما استند إلى مبررات انشغاله الذي حال دون اطلاعه على مناهج وزارته! بينما تطالعنا الأخبار المتواترة من كواليس الوزارة عن حركة للتستُّر على ما حدث في المناهج، وقد تجسد ذلك بقرارات تشكيل اللجان العاجلة لتغيير خريطة من كتاب، وقصيدة من كتاب آخر، وغير ذلك من الإجراءات المتأخرة جداً أمام واقعٍ مُزرٍ يتجسّد في تجميد أهم الخبراء التربويين السوريين المختصين، وإسناد مسؤولية إدارة مركز تطوير المناهج التربوية إلى طبيب بيطري!!!

وختاماً فلا بد من ضرورة العودة إلى جذور ما جرى ويجري، إنها ثقافة تعاني منذ زمن، وبالرغم من أن السيد رئيس الجمهورية قد أطلق منذ أشهر أهم مشروع للإصلاح الإداري، فإن مستشاري الحكومة لم يضعوا المشروع بعد على سكة التنفيذ، وذلك في تحدٍّ صارخ للآمال المعقودة على تحسين الوضع الداخلي لسورية تزامناً مع أهم مراحل القضاء على الإرهاب في الجبهات، ولعل صدمة المناهج التربوية والتغيير الشكلي الأخير في مؤسسة الآثار والمتاحف يشيران إلى إصرار حكومي مرفوض على استمرار نهج لا يتناسب وتطلعات السوريين إلى الخلاص من أخطر عدوّين هدّدا معيشتهم ومستقبلهم، وهما: الإرهاب، وشقيقه: الفساد.

العدد 1105 - 01/5/2024