المناهج.. عقلية قديمة بغلاف حداثوي

 في أوائل سبعينيات القرن الماضي، كان طلبة قسم الرياضيات في كلية العلوم يدرسون الساحات الحقيقية والساحات العقدية والميكانيك، وكان الأستاذ الأول لتدريس الرياضيات الكلاسيكية وجبر المتتاليات والسلاسل الدكتور الأستاذ عبد الغني الطنطاوي- رحمه الله- وعندما جاء الدكتور صلاح الأحمد من جامعة السوربون عمل على تحديث مناهج الرياضيات على المستويين الجامعي وما قبل الجامعي، ولكنه اصطدم بالعقلية القديمة لدى أساتذة القسم الذين لم يكن عددهم يتعدى خمسة إلى ستة أساتذة، واتهمهم المرحوم الدكتور الأستاذ صلاح الأحمد بأنهم يبلّدون عقول الطلاب.

وبعد ذلك استطاع الدكتور صلاح أن يطرح الرياضيات المعاصرة ضمن أول كتاب في هذا الاتجاه وهو الجبر الحديث، وانعكس ذلك في مناهج المرحلة الثانوية وبعدها مناهج المرحلة الإعدادية ثم مناهج المرحلة الابتدائية، وهكذا بدأت المناهج تتبدل وتتغير باتجاه الأفضل. ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي تغيرت مناهج الرياضيات وخاصة للصف الثالث الثانوي العلمي أكثر من خمس مرات، وفي كل مرة كنا نجد ما هو أفضل مما قبله في كتب الجبر والتحليل الرياضي وعلم المثلثات والهندسة الفراغية اللتين يحتاجهما أي مهندس مدني أو معماري أو كهربائي، وكانت المناهج ميسرة وتتعامل مع عقول طلاب كل مرحلة بما يتناسب مع التطور العقلي وطرداً مع أعمار الطلاب، وكنا نطالب دائماً بتطوير المناهج مع تطوير الخطط الدراسية وطرق التدريس والتفاعل بين الطلبة والمعلمين، وكان تطور المناهج يسبق بكثير تطور طرق التدريس، وبقي التفاعل مع مناهج الرياضيات مقبولاً إلى أن صدر منهاج الرياضيات للعام الدراسي 2016-2017 لصفوف المرحلة الثانوية وخاصة للصف الثالث الثانوي العلمي، فقد فوجئنا بعقلية التبليد تعود إلى المناهج، ففي الكتاب الأول شغلت المتتاليات خمسين صفحة مع عدد لا يقل عن مئة تمرين ومسألة، والكثير منها إن لم يكن أغلبها لا يستطيع طالب مستواه أقل من 80% أن يفكر بها، وأكثر من 40% منها لا يمكن للمدرس التعاطي معها من دون العودة إلى دليل المدرس!

أريد أن أسأل الذين وضعوا كتابي الرياضيات للصف الثالث الثانوي: أيهما أفضل لمن سينتسب إلى الكليات الجامعية: دراسة المتتاليات أم دراسة الهندسة الفراغية وعلم المثلثات؟ فقد أتى المنهاج الجديد خالياً من أي منها، فكيف لمن سينتسب إلى الكليات الهندسية ألا يعلم شيئاً عن الهرم وحجمه ومساحته. وكيف سيخطط بناءً هرمياً أو مخروطياً من دون معرفته بهذه المجسمات الفراغية وأبعادها ومساحاتها وحجومها أو ما يفيد في قياس الزوايا وارتفاع الأبراج؟ هل من المعقول أن تحذف القطوع المخروطية القطع المكافىء والقطع الناقص والقطع الزائد؟ كيف يحذفون الفضاءات الشعاعية والتوابع الخطية والمصفوفات والإحصاء الرياضي الذي هو أساس تطور خطط الإنتاج في البلدان الصناعية وعلم الاحتمالات الذي جاء عرضه متخلفاً بالمقارنة مع ما كان عليه في المناهج السابقة. أما الكتاب الثاني وبالرغم من أهمية البحوث التي احتواها الكتاب إلا أنه جاء معقداً في الكثير من تمارين مراكز الأبعاد المتناسبة، ولم يكن من الضروري أن يكون بحث التحليل التوافقي في منهاج الثالث الثانوي، إذ كان يكفي أن يكون هذا البحث في الأول الثانوي والثاني الثانوي.

 أقترح أن تعاد كتب الرياضيات إلى ثلاثة كتب وفق المناهج ما قبل منهاج 2016-2017: كتاب للمثلثات والهندسة الفراغية والقطوع المخروطية، وكتاب للجبر، وكتاب للتحليل الرياضي، بما يربط الطالب بمنهاجه وواقعه وحياته العملية وبما يربطه أكثر بوطنه.

العدد 1105 - 01/5/2024