بين قرارات ولجان وقرارات ولجان أخرى..مزارعو الحمضيات ينتظرون!

مضت أكثر من أربعة أشهر على بدء قطاف بعض أنواع الحمضيات، وأكثر من شهر على أصناف أخرى، ولكن لم تنجح الجهات المعنية في تسويق الإنتاج كما وعدت، بل صدر قرار حكومي بتوجيه من اللجنة الاقتصادية ينص على تخفيض الأسعار التي قررتها هذه الجهات بنحو 25% بدلاً من استمرار المحاولة في تسويق ما يمكن تسويقه من قبل (السورية للتجارة) بالأسعار التي سبق تحديدها، ما جعل بعض الفلاحين يتركون الإنتاج في الحقل دون تسويق حتى لا تزداد خسائرهم، خاصة أن تكلفة الكيلو الواحد تصل إلى أكثر من 60 ليرة سورية كما سنرى لاحقاً. أثناء اجتماع عُقد قبل شهر تقريباً في مبنى محافظة طرطوس، برئاسة محافظ طرطوس صفوان أبو سعدى، وضم عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة والتموين، ومدير التموين والتجارة الداخلية، ومدير السورية للتجارة بطرطوس، ورئيس اتحاد الفلاحين بالمحافظة، ومدير الزراعة ومدير سادكوب، نوقش واقع مزارعي الحمضيات هذا العام وكيفية البدء باستجرار مادة الحمضيات من الفلاح بطريقة مختلفة عن الأعوام السابقة، وفيما لو تم تنفيذها ستلاقي عند الفلاح كل الرضا والقبول وتعوّضه عن سنوات من المعاناة مع التسويق، ويمكننا ان نلخص تلك القرارات بما يلي:

1- استجرار كل ما يمكن استجراره من الحمضيات من قبل الإخوة الفلاحين لصالح السورية للتجارة وبسقف مفتوح.

2- اعتماد ثلاثة خطوط فرز تقع في المناطق التالية: (سمكة – راس الشغري – موقع السورية للتجارة في أبو عفصة بطرطوس).

3- اعتماد أسعار الحمضيات على الشكل التالي: الصنف الأول سعر الكيلو غرام الواحد 90 ليرة سورية، وللصنف الثاني سعر الكيلو غرام الواحد 70 ليرة سورية، فيما حدّد سعر الصنف الثالث للكيلو غرام الواحد بمبلغ 50 ليرة سورية.

4- يتم تسعير كل الأصناف في فترة القطاف وتحدد أسعارها من قبل اللجنة المركزية لاحقاً.

5- تحديد سعر فرز للكيلو غرام الواحد ضمن الخطوط بـ 4 ليرات سورية، ويشمل الفرز والعتالة والتعبئة.

6- تأمين سيارات شاحنة من الشركات العامة لنقل محصول الإخوة الفلاحين من المادة من الحقل مباشرة إلى مراكز التوضيب.

7- وجّه السيد المحافظ مدير السورية للتجارة بالالتزام بتسديد قيمة الوقود اللازم للسيارات الشاحنة العامة عند نقل المحصول إلى مراكز التوضيب.

8- تم تكليف مدير فرع محروقات طرطوس بتأمين صهريج بشكل يومي بإشراف عضو المكتب التنفيذي المختص لقطاع الزراعة لتعبئة السيارات الناقلة للمحصول في مراكز التوضيب بكمية 30 لتراً فقط يومياً.

لكن خلال شهر تقريباً من بدء عمليات استجرار المحصول لاحظ الفلاح أن هذه القرارات التي عالجت ولو بالحدّ الأدنى قليلاً من همومه، لكن ما لبثت أن بدأت هذه الشروط تضمحل رويداً رويداً وأصبحنا نسمع الاتهامات المتبادلة بين المعنيين بعمليات التسويق.

وإنصافاً للفلاح الذي ظلِم طويلاً وخاصة مزارعي الحمضيات، وبحسب جولتنا على عدد من مزارعي الحمضيات للوقوف على التكلفة الحقيقية للكيلو غرام الواحد وجدنا ما يلي:

سعر العبوة سعة 8 كيلو برتقال 100 ليرة، يعني كلفة الكيلو 12.5 ليرة، أضف إليها أجرة العامل الذي يجني باليوم 500 كيلو برتقال 3000 ليرة وهذا يعني أن كلفة الكيلو 6 ليرات. ومن جانب آخر فإن أجرة

الجرار الذي ينقل المحصول بوزن 2 طن من الأرض إلى الطريق العام في البساتين التي لا تملك طريقاً يمكن للشاحنات أن تدخله لمكان تحميل العبوات 2000 ليرة أي ليرتان لكل كيلو، وأجرة الشاحنة التي تنقل

المحصول إلى سوق الهال بمعدل 1 طن لكل نقلة 4000 ليرة وما فوق، وذلك حسب المسافة أي 4 ليرات لكل كيلو غرام، ولو حسبنا (الكمسيون) لتاجر سوق الهال بنسبة 5% من قيمة المبيع لكل كيلو سنجد أن كلفة جني المحصول لكل كيلو حوالي 25 ليرة بالحد الأدنى، ودون حساب تعب الفلاح.

أمّا تكلفة الإنتاج الموسمية، على اعتبار أن متوسط إنتاج كل دونم حوالي 5 أطنان، فكلفة فلاحة الدونم لكل وجه 3500 ليرة، والحد الأدنى للفلاحة هو مرتان بالسنة، وكل مرة وجهان، يعني 14000 ليرة كلفة الدونم، أي 3 ليرات تقريباً لكل كيلو من الحمضيات. وكلفة كيس السماد وصلت العام الماضي إلى 13000 ليرة، وكل دونم بحاجة إلى كيسين سنوياً كحد أدنى يعني كلفة الكيلو 5 ليرات على الأقل.

كلفة تقليم شجرة الحمضيات متوسطة العمر 500 ليرة بالحد الأدنى، كل دونم فيه 30 شجرة بشكل تقريبي يعني 15000 ليرة تقليم، أي ما يعادل 3 ليرات لكل كيلو. ومن جانب آخر فإن سعر المتر المكعب من السماد العضوي بمبقرة الدولة هو حوالي 7000 – 8000 ليرة مع كلفة النقل والتوزيع على الشجر يصل إلى حوالي 12000 ليرة، وإذا اعتبرنا الدونم بحاجة إلى 3 أمتار مكعبة، على اعتبار أن السماد العضوي يوزع كل سنتين مرة تكون كلفة الدونم 15000 – 16000 ليرة أي 4 ليرات لكل كيلو. أمّا المبيدات الحشرية والأسمدة الورقية والري الصيفي فتقارب كلفتها وسطياً للدونم بالسنة حوالي 3000 ليرة سورية.

وبحساب كل ما سبق نجد أن التكلفة السنوية لكل كيلو حوالي 30 ليرة وكلفة الجني حوالي 30 ليرة سورية يعني 60 ليرة سورية دون تعب الفلاح وأضرار الصقيع، وبملاحظة أن الأسعار التي تتكرّم بها الجهات المعنية بالتسعير والتسويق على الفلاح في السنوات السابقة كانت تتراوح بين 50 – 70 ليرة سورية.

وهذا العام تنفس الفلاح قليلاً عندما سمع بالقرارات (الصميدعية) التي اتخذتها لجان التسعير والتسويق، ولكنه ما لبث أن غصّ عندما علِم أن هذه اللجان قد تراجعت عن قراراتها وخفضت الأسعار بنسبة 15%، وأنها في كثير من الأحيان لا تستجيب لطلبات الفلاح بالذهاب إلى بستانه لتحميل الإنتاج ونقله إلى أماكن الفرز.

بعد الكثير من الكلام، سواء عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ومن خلال صفحات التواصل الاجتماعي وتحت ضغط الشارع، جرى تشكيل لجنة على مستوى مجلس الشعب مهمتها دراسة إمكانية العودة إلى تسعيرة جديدة مرضية ومنصفة للفلاح. وبالفعل خلال الاجتماع الذي جرى في محافظة اللاذقية، وحضره وزير التجارة الداخلية عبد الله الغربي ومحافظ اللاذقية وممثل اتحاد الفلاحين وعدد من المعنيين بالتسعير والتسويق وصلت اللجنة إلى تحديد أسعار جديدة للحمضيات كما يلي:

كرمنتينا طرابلسي 110 ليرات للصنف الأول، و 95 ليرة سورية للصنف الثاني و85 ليرة سورية للصنف الثالث، وللأصناف البلدية 100 ليرة سورية للأول و85 ليرة سورية للثاني و75 ليرة سورية للثالث، في حين بلغت تسعيرة ابو صرة مصرية 100 ليرة سورية للأول و90 ليرة سورية للثاني و80 ليرة سورية للثالث، وللأنواع البلدية 90 ليرة سورية للأول و80 ليرة سورية للثاني و70 ليرة سورية للثالث. أما صنف ساستوما فقد كانت 80 ليرة سورية للصنف الأول و70 ليرة سورية للصنف الثاني فيما الصنف الثالث ب 60 ليرة سورية.

إن موسم الحمضيات موسم رئيسي وقدر إنتاجه لهذا الموسم بـطرطوس بحوالي 256 ألف طن، وهذه الكمية الكبيرة ستعود بالخير للإخوة الفلاحين في هذه الظروف الصعبة لاسيما أنهم ينتظرون هذا الموسم من عام لعام ليرمّموا بعوائده بعض حاجياتهم، لاسيما أصحاب الحيازات الصغيرة، ومن هنا فإن عدم دعم الحكومة لهذا المحصول وتسويقه سيؤدي إلى ازدياد ظاهرة قلع هذه الأشجار التي بدأت منذ سنوات قليلة منصرمة، علماً أنه لا يوجد أي دعم حكومي لمزارع الحمضيات عبر حكومات متعاقبة، فهل سنشهد من الحكومة الحالية كسراً لهذه القاعدة؟!

هذا ما نتمناه حقاً!

العدد 1105 - 01/5/2024